الرئيسية | تنبيهات وقضايا وملاحظات | قضايا و تنبيهات | معارف إِلٰهيَّة : ( 22) قضايا و تنبيهات / القضيَّة و التَّنْبِيه الثاني والعشرون :

معارف إِلٰهيَّة : ( 22) قضايا و تنبيهات / القضيَّة و التَّنْبِيه الثاني والعشرون :

19/04/2024


القضيَّة و التَّنْبِيه الثاني و العشرون: / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / لغات ترجمة وقراءة معارف الوحي بقدر تعدُّد العلوم / هناك قاعدة مُهمَّة جِدّاً ، ينبغي الإِلتفات إِليها بِيَقَظَةٍ ، واستذكارها مراراً ، حاصلها : أَنَّ ترجمة وقراءة أُصول وأَبواب العقائد والمعارف الحقَّة يجب أَنْ تكون بلغات مُتعدِّدة ؛ فإِنَّ لكلِّ علمٍ لغته الخاصَّة به ؛ يمكن من خلالها إِيصال المعلومة الحقَّة إِلى مُختلف شرائح البشر ؛ عبر جودة انتخاب اللُّغة العلميَّة المناسبة للطرف ؛ مع حفظ ثوابت الحقائق. فإِيصالها للمُتخصِّص بعلم القانون ـ مثلاً ـ ينبغي أَنْ يكون بلغة علم القانون ، وإِلَّا فلغة علم الكلام وما شاكلها قد تكون بالنِّسْبَة إِليه لغة مُشَفَّرة لا يلتفت من خلالها إِلى المُراد ، وحينئذٍ لا يستجيب للطَّرح ، وذلك لم يكن ناشئاً من عناده وجحوده ، بل لإِبهام اللُّغة المُستعملة ، فالحزارة لم تكن في البيان اللساني ، وإِنَّما في بيان اللُّغَة العلميَّة. وهذا ما يكون غالباً هو السبب المانع من انتشار نور الدِّين والإِيمان وحقائق الثقلين. وهذا الأَمر يأتي أَيضاً في تربية الإِنسان لأُسرته ، بل ولنفسه ؛ فلرُبَما تستعصي عليه نفسه في جانب ما فيأخذها بلغةٍ وبرنامجٍ علميٍّ آخر ؛ أًسهل في تطويعها وترويضها وتربيتها من اللُّغة والبرنامج السَّابق. / فلسفة استخدام النَّبيّ سليمان عليه السلام لعلم الفنِّ والجمال / وهذا ما يوضِّح : نكتة وفلسفة استخدام النَّبيّ سليمان عليه السلام وتوظيفه لعلم الفنِ والجمالِ المُحلَّل ؛ للدعوة إِلى التَّوحيد. وهذا أَمر بديع كشفت عنه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله جلَّ شأنه المُقتصّ لخبره عليه السلام مع بلقيس ملكة سبأ :[ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] (1). فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ ، وأَصلٌّ قرآنيٌّ مُشرِّع لجواز استعمال الفنّ والجمال في الدَّعوة الإِلٰهيَّة. ومعناه : أَنَّ نشر الدَّعوة إِلى الحقِّ لا يتوقَّف على البرهان العقلي والفكر الجاف ، بل أَدقُّ المعاني المُعقَّدة والصعبة يمكن تسويقها في أَذهان ونفوس وأَرواح البشر لإِيجاد الجذبات المعنويَّة في دخيلة ذواتهم ؛ بتوسُّط لغة الفن والجمال ؛ ولعلَّ بلقيس لم تستجب لِلُغة البرهان العقلي كما استجابت للغة الفنّ والجمال ؛ نتيجة أَنَّها صاحبة فنون وسلطان وإِمكانيَّات دولة ، فلمست من خلال إِمكانيات دولة النَّبيّ سليمان عليه السلام ؛ ومهاراتها الخارجة عن مِكنة وقدرة دولة البشر : التَّوحيد ، لكن لا بلغة البرهان العقلي واللُّغة الفكريَّة ؛ والدَّليل الفلسفي والكلامي والعرفاني ، وإِنَّما ـ لمسته ـ من خلال لغة : (علم الفن والمهارات والجمال). وهذا ما يُوضِّح : نكتة تعدُّد معاجز الأَنبياء والرُّسل عليهم السلام ؛ في السِّحر، والطب ، والنحت ، والفنِّ ، والبلاغة ، وهلَّمَ جرّاً. وهذا ما نفتقده بشكلٍ استراتيجي كبير في الدَّعوة إِلى هدي نور الثقلين؛ فنحن أَتباع أَهل البيت عليهم السلام لم نستخدم الفنّ والجمال في جانبه المُحلَّل لجهة الخير والصلاح كما استخدمه أَعدائهم عليهم السلام لجهة الشرّ والفساد ونشر الرذيلة ، ومن ثَمَّ كانت شعوب كثير من البلدان الإِسلاميَّة قبل فترة موالية لأَهل البيت عليهم السلام ، لكن الوهابيَّة وعِبر فنّ وجمال قراءة القرآن الكريم وجماليَّة صوت ترتيله وتجويده قلبت ولائهم إِلى عداء لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. ولك أَنْ تقول : هناك معارف وعقائد ولطائف توحيديَّة عظيمة جِدّاً؛ أَصحرت بها بيانات الوحي من خلال لغة القصص وما شاكلها من سائر اللُّغات ، ولم تُبيِّنها بلغة البرهان العقلي ، أَو بلغة الحكمة والأَحكام ، ومن ثَمَّ لا يظنّ الباحث أَنَّ تراث وبيانات الثقلين تُبيَّن من خلال قالب تعليميّ فارد؛ وهو قالب البرهان العقلي ، فلذا ذكر جملة من المُحَقِّقين البارعين في علم التَّفسير وسائر علوم المعارف : أَنَّ بيانات الثقلين تصحر بمعارف عظيمة ومهولة جِدّاً في التَّوحيد بلغة الدُّعاء ؛ فإِنَّه أَحد اللُّغات والأَساليب البيانيَّة التعليميَّة ، الَّتي لا تقتصر على قالب : الحكمة والبرهان العقلي ، بل لها عدَّة قوالب ، منها : القصص ـ كما تقدَّم ـ ، والأَمثال ، والزيارات ، والأَذكار ، والخطابة ، والمواعظ ، والجدل ، والمغالطة ، والشعر ، والزجر ، والطلب ، والسنن ، والآداب ، والأَحكام ، والتأريخ ، والتصوير والتمثيل والتخييل ؛ لأنَّ طبيعة قوالب بيانات المعارف الإِلٰهيَّة مُتداخلة وبأَثواب مُتعدِّدة. إِذَنْ : في جملة العلوم يقين عقلي ، لكنَّه لا ينحصر بالبرهان العقلي ـ خلافاً لِـمَا ادَّعاه أَرسطو ، وابن سينا ، وسائر فلاسفة المشاء وفَلاسفة الإشراق ـ ، فلا ينحصر البرهان بعلم الفلسفة ، ولا بِعلم الكلام ، ولا بعلم العرفان ، وإِنَّما يعمُّ كافَّة العلوم ، ومن ثَمَّ يحصل لكثير من نوابغة علم الفيزياء وعلم الكيمياء ، وغيرهم من نوابغة سائرالعلوم مُشاهدات عظيمة، وحالات انبهار معنوي ، رهيبة تُضعضع ذواتهم ونفوسهم ، ويشتدُّ بسببها خضوعهم وخشوعهم لساحة القدس الإِلٰهيَّة ، ويدركون ببركتها براهين عقليَّة وعلميَّة قد لا تحصل لفيلسوفٍ أَو مُتكلِّمٍ أَو عارفٍ ما ، تكشف عن مدىٰ هول وعظمة السَّاحة الإِلٰهيَّة وأَفعالها(2). إِذَنْ : البراهين والشُّهود والمُشاهدات لا تختصُّ بعلم الفلسفة وعلم الكلام وعلم العرفان ، بل تشمل جميع العلوم. وعليه : فرُبَما يُثبِت الفيزيائي : التَّوحيد وسائر مباحث وحقائق أَبواب العقائد والمعارف كالنُّبُوَّة والإِمامة والمعاد بعلم الفيزياء. وهذا أَمر دارج ومعروف. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النمل : 44. (2) الحكمة الإِلٰهيَّة ـ الإِلٰهيَّات بالمعنىٰ الأَعم ـ ، وهي : الخطوط العامَّة للأُلوهيَّة والرؤية العقائديَّة والمعرفيَّة بتسالم جميع أَصحاب العلوم هي أَساس إِنطلاق جملة العلوم.