الرئيسية | تنبيهات وقضايا وملاحظات | قضايا و تنبيهات | معارف إِلٰهيَّة : ( 54 ) قضايا و تنبيهات / القضيَّة و التَّنْبِيه الرابع و الخمسون

معارف إِلٰهيَّة : ( 54 ) قضايا و تنبيهات / القضيَّة و التَّنْبِيه الرابع و الخمسون

23/04/2024


القضيَّة و التَّنْبِيه الرابع و الخمسون: / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين . / روح القدس أَحد أَرواح أَهل البيت عليهم السلام / / الوراثة الاِ صطفائيَّة/ هناك مطلب لطالما بقيت البحوث العلميَّة المُعقَّدة مُترجِّلة فيه ، وقد سبَّب عدم فهمه : الانحراف والقول بالتناسخ لدىٰ جملة من الفرق الصوفيَّة، والعرفانيَّة والباطنيَّة ، بل والمسيحيَّة المنحرفة ، ينبغي الإِلتفات إِليه، حاصله : أَنَّ الثابت في بيانات الوحي المتواترة : أَنَّ رُوح القدس ـ وهو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والوارد في بيان قوله تعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا](1)ـ مودع في ذوات الأَنبياء عليهم السلام ، وأَحد أَرواحهم من النَّبيّ آدم عليه السلام إِلى سيَّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ثُمَّ سائر أَهل البيت عليهم السلام. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن جابر ، قال : «سألته عن علم العَالِم ، فقال : يا جابر ، إِنَّ في الأَنبياء والأَوصياء خمسة أَرواح : روح القدس ، وروح الإِيمان ، وروح الحياة ، وروح القوَّة ، وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا (خ.ل : علمنا) ما تحت العرش إلى ما تحت الثرىٰ ، ثُمَّ قال : يا جابر ، إِنَّ هذه الأَرواح يصيبها الحدثان إِلَّا أَنَّ روح القدس لا يلهو ولا يلعب»(2). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن أَبي بصير ، قال : «سألته عن قول اللّٰـه عزَّوجلَّ : [يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](3)فقال : جبرئيل الَّذي نزل على الأَنبياء ، والرُّوح تكون معهم ومع الأَوصياء ، لا تفارقهم ، تفقِّههم وتسدِّدهم من عند اللّٰـه ...»(4). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي بصير ، قال : «قلتُ لأَبي عبداللّٰـه عليه السلام : جُعِلْتُ فداك ، أَخبرني عن قول اللّٰـه تبارك وتعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا](5) قال: يا أَبا مُحمَّد ، خَلْقٌ واللّٰـه أَعظم من جبرئيل وميكائيل ، وقد كان مع رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله يخبره ويسدِّده ، وهو مع الأَئمَّة عليهم السلام يخبرهم ويسدِّدهم»(6). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فينا روح رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله »(7). 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن إِبراهيم بن عمر ، قال : «قلت لأَبي عبداللّٰـه عليه السلام: أخبرني عن العلم الَّذي تعلمونه ، أَهو شيء تعلَّمونه من أَفواه الرجال بعضكم من بعض ، أَو شيء مكتوب عندكم من رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ؟ فقال: الأَمر أعظم من ذلك ، أَمَا سمعتَ قول اللّٰـه عزَّوجلَّ في كتابه : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ](8) قال : قلتُ : بلىٰ ، قال : فلَمَّا أَعطاه اللّٰـه تلك الرُّوح علم بها، وكذلك هي إِذا انتهت إِلى عبد علم بها العلم والفهم ـ يُعَرِّض بنفسه عليه السلام ـ»(9). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن الحارث بن المغيرة ، قال : « إِنَّ الأَرض لا تُترك بغير عَالِـمٍ . قلت : الَّذي يعلم عَالِـمكم ما هو ؟ قال : وراثة من رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ومن عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام ، عِلْمٌ يستغنىٰ به عن النَّاس ولا يستغني النَّاس عنه. قلتُ : وحكمة تقذف في صدره أَو تُنكتُ في أُذنه ؟ قال : ذاك وذاك»(10). وهذه وغيرها الكثير براهين وحيانيَّة دالَّة على وراثة ، لكنَّها ليست ماديَّة إِعتباريَّة ، بل اِصطفائيَّة تكوينيَّة ملكوتيَّة ، لكنَّه لا تعني القول بالتناسخ الباطل بالضَّرورة الدِّينيَّة ، وإِنَّما تعني : أَنَّ هناك جُنداً وجواهراً وخوادماً ملكوتيَّة ، تنتقل للخدمة من صفيٍّ مُتقدِّم إِلى آخر متأخر زماناً. وإلى هذا أَشارت بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ما ورد في بيانات الروايات ، أَنَّه : «أتت فاطمة بنت رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله بإبنيها الحسن والحسين عليهما السلام إِلى رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله في شكواه الَّذي توفِّي فيه فقالت : يا رسول اللّٰـه ، هٰذان ابناك فورِّثهما شيئاً. فقال : أَمَّا الحسن فإِنَّ له هيبتي وسؤددي ، وأَمَّا الحسين فإِنَّ له شجاعتي وجودي»(11). وهذه وراثة اِصطفائيَّة ، فالهيبة والسؤدد جُنْدٌ روحانيَّة ملكوتيَّة مغروزة في ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وجواهر مُجرَّدة ومُسخَّرة لحقيقته وذاته صلى الله عليه واله المُقدَّسة ، انتقلت إِلى ذات الإِمام المجتبىٰ عليه السلام ، لكن من دون زوالها عن ذاته صلى الله عليه واله الشَّريفة ، هذه حال الوراثة الاِصطفائيَّة. وعلى هذا قس : ما ورِثه سيِّد الشهداء عليه السلام من جدِّه صلى الله عليه واله من شجاعة وجود. بل وكُلُّ وراثة تحصل من هذا القبيل لكلِّ معصومٍ ، لكنَّها لا تزول ولا تتزلزل عن ذات المورِّث ، بل تبقىٰ على حالتها السَّابقة ، بخلاف الوراثة الماديَّة. / الوراثة الاِ صطفائيَّة لا تحجب الوراثة الماديَّة / وهذه الوراثة الاِصطفائيَّة لا تحجب ـ بالضرورة الدِّينيَّة ـ عن الوريث الوراثة الماديَّة ، خلافاً لِـمَا أَصرَّ عليه أَصحاب سُنَّة السقيفة ، من أَنَّ وراثة الكُمَّل ـ كوراثة فاطمة الزهراء عليها السلام من أَبيها صلى الله عليه واله وراثة اِصطفائيَّة ملكوتيَّة فقط ـ تحجب الوراثة الماديَّة. وغير خفيٍّ : أَنَّ هذه جرأَة على الشَّريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، تضع منها الحبلىٰ لشناعتها ، وتضحك منها الثكلىٰ لغرابتها. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها : بيان خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام : «... أَيُّها المسلمون ، أَأُغلب على إرثي؟ يا بن أَبي قحافة ، أَفي كتاب اللّٰـه ترث أَباك ولا أَرث أَبي؟ لقد جئت شيئاً فريَّا! أَفعلىٰ عمد تركتم كتاب اللّٰـه ونبذتموه وراء ظهوركم؟! إِذ يقول: [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ](12)، وقال فيما اقتصَّ من خبر يحيىٰ بن زكريّا إِذْ قال : [فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ](13)، وقال: [وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ](14)، وقال: [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ](15)، وقال : [إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ](16)، وزعمتم أَنْ لَا حظوة لي ولا أرث من أَبي ، ولا رحم بيننا، أَفخصَّكم اللّٰـه بآية أَخرج منها أَبي؟! أَم هل تقولون : أَهل ملتين لا يتوارثان؟ أَو لستُ أَنا وأَبي من أَهل ملَّة واحدة ؟ أَم أَنتم أَعلم بخصوص القرآن وعمومه من أَبي وابن عمي؟! فدونكم مخطومة مرحولة تلقاكَ يوم حشركَ ، فنعم الحَكَم اللّٰـه ، والزعيم محمَّد ، والموعد القيامة ، وعند السَّاعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إِذ تندمونَ ، و[لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ](17)، و[مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ](18)...»(19). ودلالته واضحة. / القول بثبوت الوراثة الماديَّة لفاطمة عليها السلام دون الاِ صطفائيَّة / هذا ، وقد زاد كثير من علماء الخاصَّة فضلاً عن غيرهم في الطين بِلَّة ؛ فناقشوا في وراثتها عليها السلام الاِصطفائيَّة ، ثُمَّ ادَّعوا ثبوت المادِيَّة في حقِّها عليها السلام حسب، لكنَّها : عثرة فاحشة ، وزلَّة عظيمة طائشة ، ودعوة ساقطة عن كلِّ قيمةٍ واعتبارٍ ، وعريَّة عن كلِّ شاهد ومِثْال ، ويرد عليها ما أَوردناه على سابقتها حرفاً بحرف ، بل المُتمعِّن في بيانات الوحي الباهرة الوافرة يراها صارخة ومثبتة لهذه الحقيقة كالأُولىٰ ، فإِنَّهما كفرسي رهان ورضعي لبان يجريان في حقِّها عليها السلام ، والعصمة لأَهلها. / وراثة الصلاح والفساد / بل الوارد في بيانات الوحي : أَنَّ المؤمن الصالح ، بل والشَّخص الطالح لا يورِّث المال فحسب ، بل والصلاح إِنْ كان صالحاً ، والفسق والفجور إِنْ كان طالحاً. فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تعالىٰ : [وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ](20). ثانياً : بيان الإِمام الباقر والصَّادق عليهما السلام : «يحفظ الأَطفال بصلاح آبائهم ؛ كما حفظ اللّٰـه الغلامين بصلاح أَبويهما»(21). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ اللّٰـه يحفظ ولد المؤمن إِلى أَلف سنة ، وإِنَّ الغلامين كان بينهما وبين أَبيهما سبعمائة سنة»(22). رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّ اللّٰـه ليفلح بفلاح الرَّجُل المؤمن ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ اللّٰـه؛ لكرامته على اللّٰـه ، ثُمَّ ذكر الغلامين ، فقال : [وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا] أَلَم تر أَنَّ اللّٰـه شكر صلاح أَبويهما لهما»(23). خامساً : بيان الإِمام الرِّضا عليه السلام : «أَوحىٰ اللّٰـه عزَّوجلَّ إِلى نبيٍّ من الأَنبياء إِذا أُطعتُ رضيتُ ، وإِذا رضيتُ باركتُ ، وليس لبركتي نهاية ، وإِذا عُصيتُ غضبتُ ، وإِذا غضبتُ لعنتُ ، ولعنتي تبلغ السَّابع من الوراء»(24). ومنه يتَّضح : ما ورد في حقِّ الإِمام الحُجَّة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه : «أنَّ القائم عليه السلام يقتل أَولاد قتلة الحسين عليه السلام ؛ لرضاهم بفعل آبائهم»(25). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الشورى : 52. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 55/ح15. بصائر الدرجات : 132. (3) النحل : 2. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 63/ح43. بصائر الدرجات : 137. (5) الشورى : 52. (6) بحار الأَنوار ، 25 : 59/ح27. بصائر الدرجات : 135. (7) المصدر نفسه : 62/ح41. بصائر الدرجات : 136. (8) الشورى : 52. (9) بحار الأَنوار ، 25 : 62/ح40. بصائر الدرجات : 136. (10) المصدر نفسه ، 26 : 62/ح141. بصائر الدرجات ، 2 : 120/ ح1169 ـ 1. (11) بحار الأَنوار ، 43 : 263/ح10. إرشاد المفيد : 169. إعلام الورىٰ : 210. (12) النمل : 16. (13) مريم : 5 ـ 6. (14) الأنفال : 75. (15) النساء : 11. (16) البقرة : 180. (17) الأنعام : 67. (18) الزمر : 40. (19) بحار الأَنوار ، 29 : 226 ـ 227. الاحتجاج ، 1 : 138 ـ 139. (20) الكهف : 82. (21) بحار الأَنوار ، 71 : 236/ح1. (22) المصدر نفسه/ح2. (23) المصدر نفسه /ح3. (24) بحار الأَنوار ، 73 : 341/ح23. (25) المصدر نفسه.