/ الفَائِدَةُ : ( 51 ) /

17/03/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / خطورة الْاِعْتِمَاد على ما رسمته المدارس البشريَّة المعرفيَّة / إِنَّ الباحث إِذا بنىٰ خريطة بحوثه المعرفيَّة والعقائديَّة على ما رَقَّمه المُتكلِّمون فسيرتطم لا محالة بمآزق معرفيَّة وعقائديَّة كثيرة جِدّاً؛ لأَنَّ الخريطة والفهرسة المعرفيَّة والعقائديَّة الَّتي رسمها جملة من علماء كلام الإِماميَّة؛ وساروا عليها نشئت نتيجة اِنْشِغَالهم بالجدل والحوار الكلامي مع المذاهب الإِسلاميَّة، فألجأتهم هذه الحواريَّات الَّتي لا انقطاع لها إِلى نوع تبويب؛ ورسم خارطة للمعارف والعقائد الإِلٰهيَّة؛ يفهمها ويلتفت إِليها الطرف الآخر. ومعناه: أَنَّهم اضطروا إِلى تنزيل الخطاب الكلامي والخطاب العقائدي إِلى مستوىٰ معارف وعقائد الطرف، مع أَنَّه ليس لديه من الإِسلام إِلَّا استقبال الكعبة فقط . وهذا ما صرَّحت به بيانات الوحي، منها: بيان الإِمام الصَّادق صلوات اللّٰـه عليه: «... لا واللّٰـه، ما هم على شيءٍ مِـمَّا جاء به رسول اللّٰـه ’ إِلَّا استقبال الكعبة فقط»(1). وعليه: فكيف يمكن رسم خارطة وثقافة للمعارف والعقائد الحقَّة المُصْحَرَة في بيانات الوحي الإِلٰهي على وفق هذه الوضعيَّة التجاذبيَّة الكلاميَّة؛ وإِلَّا فستحصل لا محالة لأَصحاب هذه الخرائط والثقافات مشاكل وأَزمات معرفيَّة وعقائديَّة لا حصر ولا منتهىٰ لها. بل سبَّبت وتُسبِّب هذه المنهجيَّة وهذه الثقافات طامَّات معرفيَّة وعقائديَّة أَشدُّ خطراً وضرراً وفتكاً بأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من خطر وضرر وفتك يزيد بن معاوية وجيشه (عليهم لعائن اللّٰـه) وما فعلوه بسيِّد الشهداء صلوات اللّٰـه عليه وبأَهل بيته وصحبه؛ لأَنَّ تلك قتلت الأَبدان، وحرمت أَصحابها الحياة الدُّنيويَّة الزائلة، بخلاف هذه؛ فإِنَّها تقتل: أَرواح أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم؛ وعلومهم وعقائدهم ومعارفهم، وتحرم أَتباعهم، بل جملة البشريَّة، بل طُرّ المخلوقات الحياة الأُخرويَّة الأَبديَّة، ومن ثَمَّ لا قياس بين الخطرين والضَّررين والفتكين. وكانت هذه القضيَّة هي السبب في إِعراض أَو غفلة مُتكلِّمي الإِماميَّة؛ وأَصحاب العقائد والمعارف عن كثير من أَبواب وأَبحاث العقائد والمعارف الثابتة في بيانات الوحي الوافرة الباهرة. وعلى هذا قس: علم الفلسفة؛ فإِنَّ تبويبه وفهرسته ورسم خارطته جرت على وفق نتاج بشري، بل اعترف أَصحابها(2) بذلك؛ فقالوا: إِنَّ الفلسفة تعني: معرفة حقائق الأَشياء بقدر الطَّاقة البشريَّة. وبين المعرفة على قدر الطاقة البشريَّة؛ والَّتي مهما علت لا بُدَّ أَنْ تكون محدودة ومتناهية، والمعرفة على وفق طاقة الوحي غير المتناهية وغير المحدودة فارق من دون قياس؛ فإِنَّ الثابت في محلِّه أَنَّه لا توجد نسبة رياضيَّة بين المحدود وغير المحدودة، فإِنَّه مهما علت ووضعت للمحدود من قيمٍ وأَرقامٍ إِذا قيس لغير المحدود لا بُدَّ أَنْ تكون قيمة المحدود صفراً على جهة الشمال؛ وإِلَّا ـ أَي: إِذا جُعِلَ للمحدود قيمة وإِنْ كانت ضئيلة جدّاً كالواحد مقابل الترليون ـ لانقلبت ماهيَّة غير المتناهي وغير المحدود وصارت متناهية ومحدودة، وبطلان اِنقلاب الماهيَّة، بل واستحالتها من الواضحات، بل خلف الفرض أَيضاً. ومِنْ ثَمَّ التبويبات الجارية في علم الفلسفة ـ سوآء أكانت فلسفة: مشآء أَو إِشراق أَو حكمة متعالية أَو فلسفات غربيَّة حديثة أَو فلسفات أَلسنيَّة أَو فلسفات الهرمونطيقيا (الهرمونتيكيا) التعددية أَو فلسفات الكلام الجديد ـ وحبس المباحث المعرفيَّة والعقائديَّة؛ وحشر مواد الوحي في هذه التبويبات البشريَّة كارثة علميَّة. وليس في هذا التعبير رجزٌ حماسيٌّ، بل بكُلِّ هدوء وبكُلِّ قناعة أَنَّه: كارثة علميَّة ومعرفيَّة وعقائديَّة. وهذه القضيَّة لا بُدَّ من التَّنبُّه إِليها دائماً؛ فإِنَّ أَصل الفهرسة في علم: (الفقه) و(الأُصول) و(الكلام) و(الفلسفة) و(التفسير) و(العرفان) وغيرها، بل وفي أَيِّ أَيدلوجيَّة حديثة أَو قديمة نتاج بشريّ محدود، وتبويباتها لا تشمل عَالَم الحقيقة غير المتناهية، ولا تتَّسع لِـمَا هو موجود في تراث الوحي أَبداً، بل قوالب وبنود أَبواب معارف وعقائد النتاج البشري في علم: (الكلام) و(الفلسفة) و(العرفان) و(التفسير) تختلف عن قوالب وبنود بيانات الوحي، ومن ثَمَّ يُحاول الكثير من الباحثين في المعارف والعقائد لَيِّ أَعناق العبائر والقوالب الوحيانيَّة ذات السعة والقوَّة والمتانة والرَّصانة غير المتناهيَّة؛ ليستبدلها أَو يحشرها في قوالب النتاج البشري؛ الهزيلة والهشَّة والضَّيِّقة. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار، 65: 91/ح26. المحاسن: 156. (2) مرجع الضمير: (الفلسفة)