/ الْفَائِدَةُ : (34) /

22/03/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / اِطلاقات عنوان وَمُصْطَلَح النَّفس الوارد في أَبواب المعارف / يُطلق مُصطلح وعنوان: (النَّفس) في أَبواب المعارف علىٰ معانٍ عِدَّة: فيُطلق تارة ويراد منه: الغرائز النَّازلة في ذات الإِنسان، في مقابل الرُّوح. فلاحظ: بيانات الوحي، منها: أَوَّلاً: بيان قوله تعالىٰ: [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى](1). ثانياً: بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «أَعدى عدوِّك نفسك الَّتي بين جنبيك»(2). ودلالتهما واضحة. ويُطلق أُخرىٰ ويراد منه: ما يعمُّ النَّفس بالمعنىٰ الأَخَصِّ والرُّوح. فانظر: بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان قوله تعالىٰ: [لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ](3). 2ـ بيان قوله عظمت آلاؤه: [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا](4). 3ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِنَّ أَوَّل ما أَبدع الله سبحانه وتعالى هي النُّفوس مُقدَّسة مُطَهَّرَة فأَنطقها بتوحيده، ثُمَّ خلق بعد ذلك سائر الخلق»(5). 4ـ بيان فاطمة الزهراء عليها السلام : «... أَنتم عباد الله نصب أَمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمنا الله على أنفسكم ...»(6). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة. 5ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... ولولا أَنَّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لَـمَـا قدر أَنْ يبلغه ...»(7). بتقريب: أَنَّه عليه السلام أَتىٰ بعد ذكر: (الرُّوح والنَّفس) بتاء المفرد ـ كانت ـ وحينئذٍ يكون عطف (النَّفس) علىٰ (الرُّوح) من باب عطف العام علىٰ الخاصِّ، وهو المطلوب. ويطلق ثالثة ويُراد منه: ما يُقابل العقل، أَي: قوَّة جوهريَّة مشتملة علىٰ غرائز وقوى نزويَّة، فهي عَالَم ظلمانيٌّ دون العقل، وهو عَالَم نورانيٌّ. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي، منها: اوَّلاً: بيان قوله تعالىٰ: [مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ](8). ثانياً: بيان قوله تقدَّس ذكره: [فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ](9). ثالثاً: بيان قوله عزَّ قوله: [قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي](10). رابعاً: بيان قوله جلَّ ذكره: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ](11). خامساً: بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِنَّ العقل عِقال من الجهل، والنَّفس مِثْل أَخبث الدَّوابّ فإِنْ لَمْ تُعقل حارت(12)، فالعقل عِقال من الجهل...»(13). سادساً: بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «اعرِفُوا العقل وجُنْدَهُ، والجهل(14) وجُنْدَهُ تهتدوا ... إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ العَقْلَ وهو أَوَّل خلقٍ من الرُّوحانيِّين عن يمين العرش من نوره، فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبل فَأَقْبَل؛ فقال الله تبارك وتعالى: خلقتُكَ خَلْقاً عظيماً وكَرَّمتُكَ على جميع خَلْقِي، قال: ثُمَّ خَلَقَ الجَهلَ مِنَ الْبَحرِ الأُجَاجِ ظُلْمانياً، فقال له: أَدْبِر فَأَدْبَرَ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِل فَلَمْ يُقْبِل فقال له: استكبرتَ؟ فَلَعَنَهُ، ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْسَةً وسبعينَ جُنْداً، فَلَمَّا رأىٰ الجَهلُ ما أَكرَمَ اللَّـه به العقلَ وما أعطاهُ، أضمَرَ لَهُ العَدَاوَةَ، فقال الجَهلُ: يَارَبِّ، هذا خَلْقٌ مِثْلِي خلقته وكَرَّمتَهُ وقَوَّيتهُ، وأَنَا ضِدُّهُ، ولا قُوَّة لي به، فأَعْطِنِي من الجُنْدِ مِثْلَ ما أَعْطَيْتَهُ، فقال: نعم، فإِنْ عَصَيْتَ بَعْدَ ذلك أَخْرَجْتُكَ وَجُنْدَكَ مِنَ رَحْمَتِي، قال: قَدْ رَضِيْتُ، فَأَعْطَاهُ خمسةٌ وَسَبْعِينَ جُنْداً...»(15) (16). سابعاً: بيانه عليه السلام أَيضاً: «... الظَّالم يحوم حول نفسه، والمُقتصد يحوم حول قلبه، والسَّابق يحوم حول ربِّه عَزَّ وَجَلَّ »(17). ويُطلق رابعة ويراد منه: ذات الإٍنسان بجميع مراتبها؛ بما فيها المرتبة العقليَّة. فلاحظ: بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان قوله تبارك اسمه: [يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ](18). 2ـ بيان قوله جلَّ شأنه: [لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا](19). 3ـ بيان قوله جلَّ وعلا: [وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ](20). 4ـ بيان قوله عَزَّ وَجَلَّ : [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ](21). 5ـ بيان قوله تعالىٰ ذكره: [وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ](22). 6ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ ربَّه»(23). 7ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام : «... ما جهل ولا ضاع امرؤ عرف قدر نفسه...»(24). ودلالة الجميع واضحة. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النازعات: 40 ـ 41. (2) بحار الأَنوار، 70: 64/ح1. (3) القيامة: 1ـ 2. (4) الشَّمس: 7 ـ 10. (5) بحار الأَنوار، 6: 249/ح87. (6) الإِحتجاج، 1: 133. (7) مختصر البصائر: 410/ح476 ـ 38. (8) النساء: 79. (9) المائدة: 30. (10) طه: 96. (11) ق: 16. (12) أَي: هلكت. (13) بحار الأَنوار، 1: 117/ح11. (14) مراد الإِمام عليه السلام من عنوان : (ِ الجهل ) في المقام كناية عن النَّفس الأَمَّارة بالسُّوْءِ والشَّهوات والَّتي تكون مبدأ لكلّ خطيئة، لا الجهل المقابل للعلم؛ وذلك لقرائن، منها: 1ـ إِنَّ المقابل للجهل هو العِلْم وليس العقل، بل صرَّحَ عليه السلام في تعداد جنودهما بذلك، فقال: «... والعِلْمُ وضِدَّه الْـجَهْلَ ...». 2ـ إِنَّ الجهل ـ المقابل للعقل ـ لو أُريد منه ـ الجهل ـ معناه الحقيقي لم يصحَّ أَخذه جُنْداً من جنوده ـ الجهل ـ . 3ـ ما ذكره عليه السلام من جُنْدٍ للجهل هي بنفسها جُنْد وأَعْوان معهودة للنفس. وعليه: لا بُدَّ منْ حمل (الجهل) الَّذِي أَخذه الإِمام عليه السلام في صدر بيانه الشريف ـ وهو صاحب الجُنْد ـ علىٰ مخلوق آخر، وهو النَّفس. (15) أُصول الكافي، 1: 17/ح14. (16) يجدر صرف النَّظر في المقام إِلى الأُمور التَّالية: الأَمر الأَوَّل: / وصف النَّفس بعنوان (الجهل) / إِنَّ النَّفس توصف بعنوان: (الجهل)، وذلك إِذا كانت غير مُسَخِّرة وغير منقادة للعقل، وإِلَّا فلا توصف بذلك. الأَمر الثَّاني: / خطورة حديث (جُنْد العقل والجهل) للإِمام الصَّادق عليه السلام / إِنَّ فقرات بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في حديث: (جُند العقل والجهل) عبارة عن بيانات لأُسس التَّشريع الإِسلامي، وبيانات لمقاصد الشَّريعة، وبيانات الأُسس عامَّة في المعرفة الدِّينية المرتبطة بفصل النُّبوَّة والإِمامة، والمرتبطة بارتباط فقه الفروع بفقه العقائد. الأَمر الثَّالث: / قراءة قوىٰ النَّفس لقواها الأُخرىٰ/ يمكن لقوىٰ النَّفس الإِنسانيَّة قراءة بعضها للغة البعض الآخر. الأَمر الرَّابع: / مسؤوليَّات النَّفس الكُلِّيَّة / إِنَّ للنَّفس الكُليَّة شؤوناً وشجوناً كثيرة، وطبيعة إِدارة السَّمآء والمجرَّات والأَحوال الفيزيائيَّة وجملة الكائنات تحتاج إِلى نفس مترامية الشؤون، خازنة وحافظة للمعلومات المفاضة من العقول. (17) بحار الأَنوار، 23: 214/ح2. معاني الأَخبار: 36. (18) ق: 16. (19) الأَنعام: 152. (20) البقرة: 48. (21) آل عمران: 185. (22) النساء: 111. (23) عوالي اللآلي، 4: 102. وعلىٰ منواله: أَمالي السيِّد المرتضىٰ، 1: 274. (24) بحار الأَنوار، 68: 157