/ الفَائِدَةُ : (12) /

08/04/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مُطلق مُحْكَمَات الوحي الإِلٰهيّ معصومة من أَنْ تَصِلَها أَيدي المُتلاعبين / إِنَّ ما ورد في بيان قوله تعالىٰ: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] (1) ، برهانٌ وحيانِيٌّ شامل لمُطلق الذِّكْر والوحي الإٰلٰهيّ، فيشمل القرآن الكريم، والحديث القدسي، والحديث النَّبويّ، وحديث سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بل ومطلق الوحي الإِلٰهيّ في الكُتُب السماويَّة السَّالفة ـ كالتَّوراة والإِنْجِيل والزَّبُور ـ ، بل ويشمل أَيضاً وحي: الفطرة ـ أَي: البديهيَّات ـ ، وَمَنْ يزعم خلاف ذلك فقد كفر بالقرآن الكريم، ومن ثَمَّ حَكَمَ علماء الأُصول في باب الاِنْسِداد: أَنْ مَنْ يرفع يده عن مُطلق تُراث العترة فقد مَرَق عن الدِّين. إِنْ قلتَ: إِنَّ الكُتُب السَّماويَّة المُتقدِّمة قد طالتها يد الوضع والتَّحريف؛ فكيف تكون مصداقاً لبيان قوله عَزَّ وَجَلَّ المُتقدِّم. قلتُ: إِنَّ ما في هذه الكُتُب السَّماويَّة من تحريف لا يُزعزع ولا يُزلزل مُحْكَمَاتها؛ فإِنَّها وحي إِلٰهيٌّ ليس بِمُكْنَة يد المُحرِّفين والمُغرِضين تغييبها . نعم، لمُحْكَمات القرآن الكريم هيمنة ويد عُليا عليها. إِذَنْ: مهما طالت يد المُحَرِّفِين والمُغرِضين في التَّلاعب ببيانات الوحي وتحريفها، لكنْ ليس لها الوُسْع والقدرة للوصول إِلى مُحْکَمَات مُطلق بيانات الوحي وتحريفها، فلذا وجب علىٰ المخلوق التَّمَسُّك بها؛ لكونها حُجَّةً عليه في عَالَمِ القيامة ؛ لعدم تَمَكُّن يد التَّحريف إِطالتها والوصول إِليها. وهذا ما يُوضِّح: نُكْتَة اِحتجاجات رجالات الوحي؛ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بل واِحتجاجات الباري تقدَّس ذكره في قرآنه الكريم علىٰ أَصحاب الديانات الإِلٰهيَّة السَّالفة بكتبهم الإِلٰهيَّة، فيحتجُّون علىٰ أَهل التَّوراة وعلىٰ أَهل الإِنجيل بمُحْكَمَاتهمـا. فلاحظ: 1ـ بیان قوله عزَّ قوله: [قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (2) . 2ـ بیان قوله جلَّ قوله: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ] (3) . 3ـ بيان قوله عزَّ من قائل: [وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ] (4) . ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة. وَمن ثَمَّ يخرج الباحثون بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالأُخْرَى بحقائقٍ نَاصِعَةٍ ، وأَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ ، وبراهينٍ سَاطِعَةٍ ، وحُجَجٍ صَادِعَةٍ علىٰ حُجِّيَّة سيِّد الأَنبياء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من نفس التَّوراة والإِنجيل المُحَرَّفَين . وهذه نِكَاتٌ مُهِمَّةٌ يجدر الِالتفات إِليها. ونُكْتَةُ هذا الحَثّ الصَّادر من ساحة القدس الإِلٰهيَّة علىٰ رجوع أَصحاب تلك الديانات السَّماويَّة إِلى كُتُبهم الِإلٰهيَّة مع ما وقع فيها من تحريف؛ وذلك لوجود مُحْكَمَات إِلٰهيَّة، وجواهر ودرر وحيانيَّة مُقدَّسة لم تتمكَّن يد التَّحريف من الوصول إِليها، بل مِنْ مؤاخذات الباري عَزَّ وَجَلَّ في كتابه الكريم علىٰ اليهود أَنَّهم تركوا التَّوراة بالمرَّة وراء ظهورهم حتَّىٰ المُحرَّفة، وهذه المؤاخذة ليست ناظرة إِلى المُحرَّف منها، بل لمُحْكَمَاتها الموجودة ضمن المُحرَّف . إِذَنْ : وَعَدَ الباري جَلَّ شأنه مخلوقاته في بيان الآية الكريمة المُتقدِّمة وما شاكله : أَنَّ مُحْكَمَات الوحي في مُطلق الكُتُب السَّماويَّة محفوظة لا تزول ولا تُباد ، وليس بمُكْنَة المُحَرِّفُونَ زعزعتها وإِزالتها؛ لكونها فوق قدرة العقل البشري ومُكْنَته وطاقته، ومن ثَمَّ لا يهتدي المغرضون ولا تصل أَيديهم إِليها لإِزالتها والعبث فيها وتغييرها . وهذا نحو من أَنحاء إِعجاز الوحي؛ فإِنَّه لا تناله أَيدي المخلوقات وفِطَنها، إِلَّا المُطَهَّرُون؛ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، المُشار إِليهم في بيان قوله تعالىٰ : [إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ] (5) . /مُحْكَمَات الوحي لا تعصم بنفسها / ومنه يتَّضح : أَنَّ مُحْكَمَات الوحي لا تعصم بنفسها مَنْ تَمَسَّكَ بها إِلَّا إِذا كان تحت رعاية الرَّاسخون في العلم؛ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وهدايتهم وتعليمهم، هذا هو المنهج الوحياني المُتَمسِّكة به مَدْرَسَتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وهو يختلف عن المنهج السَّائد لدىٰ الجمهور؛ أَتباع صاحب مقولة: (حسبنا كتاب الله)، بل ويختلف عن منهج جملة من الخاصَّة الُمتأثِّرين بمنهج الجمهور . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجر: 9. (2) آل عمران: 93. (3) الأَعراف: 157. (4) المائدة: 43. (5) الواقعة: 77ـ 79