/ الفَائِدَةُ : ( 4 ) /
05/06/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الفكر في مدرسة النَّصِّ أَكثر جولاناً / إِنَّه وإِن زعم بعض : أَنَّ مدرسة الرأي في الفقه والعرفان والفلسفة والكلام والتَّفسير والقانون أَكثر جولاناً في الفكر من مدرسة النَّصِّ ، لكن واقع الأَمر عكس ذلك تماماً ؛ فإِنَّ مسار الفهم والفطنة في مدرسة النَّصِّ هو وإِنْ كان مادة وحيانيَّة لكنَّه بتدبُّر وتمعُّن وفطنة ، كما حثت عليه بيانـات الوحي ، منها : قوله تعالى : [فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ]( ) فإِنَّ المراد من (التفقه) هو الفهم والفطنة والتَّدبُّر ، فالآية الكريمة لا تندب وتطلب الرُّواية من المعصوم فحسب ، بل هذه خطوة أُولى ابتدائيَّة ، والخطوة الأَهم هي التَّفقه وفهم ما يروى ، ومن ثَمَّ ورد في أَحد وصايا سيد الأنبياء | الخالدة : ((رُبَّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقهُ منه))( ) ، والفقه باصطلاح الحديث ليس مـختص بفقه الفروع بل مطلق فهم علوم الدِّين ، فهذه دعوة منه | إلى دوام مسيرة الفهم والتَّدقيق والتَّحقيق ، ودعوة أيضاً للأَجيال اللَّاحقة بأَنْ لا يستمعوا ويصغوا حرفيَّاً إلى الرعيل الأَوَّل من الصحابة ؛ لإِحتمال أَنَّهم لم يلتفتوا ويتفطَّنوا ويتفقَّهوا في مضمون بيانات الوحي ، فينبغي لهم أَن ينبروا ويتفطَّنوا ويتفقَّهوا أَكثر ؛ فإِنَّ الوحي بحر لا ينزف يُغاص فيه لتُستخرج لآلئه . إِذنْ : مدرسة النَّصِّ تعني : تدبر ، وتذكُّر ، وتفطُّن ، وتفقُّه ، ومدرسة إِجالة الفكر ووعاية وفهم نصوص الوحي ومادته ، قال تعالى : [لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ]( )أي : سعة قابليتها في العلم تزداد وهي تحث على السؤال وعدم الفتور عنه ، قال : ((العلم خزائن مفاتيحه السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله فإِنَّه يُؤجر فيه أربعة : السائل والمعلم والمستمع والمجيب))( ) وإِحداث أَصل التَّصوُّر ، فهي مدرسة فهم وفطنة للمـادة الوحيانيَّة ، وأُفق معارف الوحي واستنطاقها من خلال استنتاج واستخراج البراهين منها ، لكن لا من باب التَّعبُّد الإِجمالي ، فإِنَّ هذه مرتبة نازلة من التَّعبُّد ، بل من خلال رحابة في التَّأمُّل والتَّفكُّر والتَّدبُّر اللَّامحدود. وهذا بخلاف مدرسة الرأي فإِنَّها إِنحباسية وتـدور مدار النِّتاج البشري ، فإِنَّ النتاج البشري وان كان يكترث به كما حثت على ذلك بيانات الوحي منها : بيان أمير المؤمنين × : ((عند مقابلة الآراء يعلم الصواب من الخطأ)) ( ) لكنَّه لا ينبغي أَنْ يُعكف عليه ، بل لابُدَّ أن يُتخطى ويتجاوز إلى آفـاق أَرحـب وأَوسع منه ، وذلك هو الوحي ، فإِنَّ العلوم البشريَّة يتعلَّمها الإِنسان في بدايات أَمره كعلوم آلية ينطلق منها إلى فضاء وسماء رحاب الـوحي ، قال تعالى : [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا]( )، وقال تقدَّس ذكره : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ]( )، فحقيقة القرآن الكريم ليست أَهازيج صوتيَّة وعلم تجويد وإِنما هي درجة تمهيديَّة للإِنطلاق إلى بحره اللَّامتناهي ، قال تعالى : [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا]( )، وقال تقدَّس ذكره : [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ]( ). وعصارة القول : أَنَّ الفارق بين نتاج الوحي والنتاج البشري : أَنَّ الأَوَّل غيب مطلق ، والقرآن الكريم والسُّـنَّة الشَّريفة مواد وحيانيَّة لا منتهى لهما لإِستكشافه ، بخلاف الثاني ؛ فإِنَّه ضيِّق الوسع والأُفق. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( ) التوبة : 122 . ( ) أصول الكافي ، 1/ كتاب الحجَّة/ باب : ما أَمر النبي | بالنصيحة لأئمة المسلمين/403/ح1. ( ) الحاقة : 12. ( ) عيون أخبار الرضا × ، 31 ــ باب : فيما جاء عن الرضا × من الأَخبار المجموعة/253/ح23. ( ) ( ) الكهف : 109. ( ) لقمان : 27. ( ) محمد : 24. ( ) القمر : 32.