الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة ، من الدرس (1 ـ 200 ) | معارف إِلٰهيَّة : (156) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

معارف إِلٰهيَّة : (156) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

20/06/2024


الدرس (156) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو/ / لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات أَهل البيت عليهم السلام/ ولخطورة هذه الأَبحاث المعرفيَّة والتَّوحيديَّة نُعيد ما ذكرناه سلفاً بشيءٍ من التَّفصيل ، فنقول : ثُمَّ إِعلم أَنَّه لا تُوجد في جملة هذه الأَبحاث وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) أَيّ شائبة غلوّ ـ وخروج عن الجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الَّتي ليلها كنهارها جادَّة ومنزلة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم، وهي الديانة الَّتي من تقدَّمها مرق ، ومن تخلَّف عنها محق ، ومن لزمها لحق ، والَّتي لا تخرج إِلى عوج، ولا تزيل عن منهج الحقّ ، ولا تجد لها بديلاً ، ولن تجد لها تحويلاً ، نعم، هي دقيقة الوزن ، حادَّة اللِّسان ، صعبة التَّرَقِّي حتَّىٰ على الحاذق اللَّبيب ـ لأَنَّا نعضُّ بضرس قاطعٍ على ضابطةٍ وقاعدةٍ معرفيَّةٍ وعقليَّةٍ بديهيَّةٍ ، مستفادة من بيانات الوحي ، ضربها وقنَّنها علماء المعقول في القرنين الأَخيرين في باب الغلوّ والتقصير ، سياتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) بيانها في بابها ، مضروبة للتمييز بين الغلوّ والتقصير في صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة (جلَّ ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه، وصفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وهي : «أَنَّ صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه تحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما منه الوجود) ، بخلاف صفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه فتحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما به الوجود)». فصفة : (عدم التناهي) ، وسائر الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة ـ كالأَسمآء الذاتيَّة الواردة في سورة الإِخلاص : (الأَحد ، والصمد ، ولم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أَحَد) ـ والأَفعال والكمالات والشؤون الإِلٰهيَّة إِذا نُسبت وأُسندت إلى الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) كصفات وأَسماء وأَفعال وكمالات وشؤون إِلٰهيَّة فالمراد منها : (ما منه الوجود). أَمَّا إِذا نُسبت وأُسندت إِلى المخلوق كصفات وأَسمآء وأَفعال وكمالات وشؤون مخلوقة فالمراد منها : (ما به الوجود) ، وحينئذٍ لا إِشكال ولا شبهة ولا شائبة غلو في المقام ؛ بعدما أُفيضت في المخلوق وتجلَّت وظهرت وانعكست فيه من الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فأين شائبة الغلوّ بعدما كان الجميع من ساحة القدس الإِلٰهيَّة. بل هذه الضابطة أُستحدثت في الآونة الأَخيرة وتوسَّعت بقاعدة وضابطة بديهيَّة أَيضاً ، أَكثر دِقَّة وغوراً وعمقاً ، وهي : «أَنَّ ما منه الوجود على ضربين : أَحدهما : (ما منه الوجود أَصالة وبالذات). الآخر : (ما منه الوجود حكاية ومن الغير)». والأَوَّل مختصٌّ ومنحصرٌ بـ : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله جلَّ قوله : [ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ] (1). 2ـ بيان قوله عزَّ قوله : [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا] (2). ودلالتهما قد اتَّضحت. والثَّاني وجود ظلِّي وحاكٍ ، يأتي في الممكنات ، مفاض عليها من ساحة القدس الإِلٰهيَّة. نظيره : المرآة المنطبعة فيها صورة الشَّاخص الخارجي. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان قوله عزَّ من قائل الحاكي لخبر النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام في إِحتجاجه على بني إِسرائيل : [ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] (3). 2ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ] (4). 3ـ بيان قوله تعالىٰ ذكره : [كَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ] (5). 4ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ] (6). ودلالة الجميع واضحة. 5ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا أَيُّها النَّاس ، لعلَّكُم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إِلَّا مفتر ... أَنا موتم البنين والبنات ، أَنا قابض الأَرواح...»(7). 6ـ بيانه صلوات اللَّـه عليه أَيضاً : «... أَنَا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ، أَنا أُنبئكم بما تأكلون ، وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن ربِّي وأَنا عَالِم بضمائر قلوبكم، والأَئمَّة من أَولادي عليهم السلام يعملون ويفعلون هذا إِذا أَحَبُّوا وأَرادوا ...»(8). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ، ومضمونه نفس مضمون البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة ، لا سيما البيان الأَوَّل ؛ فإِنَّ أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم لَـمَّا كانوا أَشرف وأَكمل المخلوقات ، وأَعلاها وجوداً ومقاماً ورتبةً ، وكانوا وسائط الفيض الإِلٰهي لجملة العوالم وسائر المخلوقات فما أُعطي لسائر جملة المخلوقات من شرفٍ وعزَّةٍ وكمالٍ وفضلٍ ومقامٍ ورتبةٍ فبالأَولىٰ يُعطىٰ لهم صلوات اللَّـه عليهم وزيادة. وهذا برهانٌ عقليٌّ بديهيٌّ. ومن ثَمَّ ما تمتَّع به النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام وسائر المخلوقات المُكرَّمة ؛ منهم : إِسرافيل وعزرائيل عليهما السلام تمتَّع به أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وزيادة ؛ فيحيون ويميتون بفعلٍ أَلطف ، وأَعظم هيمنة ، وأَشدُّ سلطنة وقدرة وقوَّة على وفق القاعدة ؛ ومن دون أَيّ شائبة غلوّ في المقام. بل البراهين والبيانات الوحيانيَّة قائمة على ذلك. فلاحظ ، منها : 1ـ بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام ، عن الثمالي ، قال : «قلتُ له : جُعِلْتُ فداك ، الأَئمَّة يعلمون ما يُضمر ؟ فقال : علمتُ واللَّـه ما علمت الأَنبياء والرُّسل ، ثُمَّ قال لي : أزيدكَ ؟ قلتُ : نعم. قال : ونزاد ما لم تزد الأَنبياء»(9). 2ـ بيان الإِمام الصادق عليه السلام : «إِنَّ عيسىٰ بن مريم عليه السلام أُعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسىٰ عليه السلام أَربعة أَحرف ، وأُعطي إِبراهيم عليه السلام ثمانية أَحرف ، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً، وإِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ جمع ذلك كلّه لمحمَّد صلى الله عليه واله (10)، وإِنَّ اسم اللَّـه الأَعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، أَعطىٰ(11) محمَّداً صلى الله عليه واله اثنين وسبعين حرفاً ، وحجب عنه حرفاً واحداً»(12). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. / الإِماتة وسائر الأَفعال الإِلهيَّة على طبقات/ وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ الإِماتة على مراتب وطبقات ودرجات من حيث الغلظة واللطافة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صٓ : 72. (2) الزمر : 42. (3) آل عمران : 49. (4) الأَنعام : 61. ( 5) محمَّد : 27. (6) السجدة : 11. (7) بحار الأَنوار ، 53 : 45/ح1. (8) المصدر نفسه ، 26 : 1ـ7/ ح1. (9) بحار الأَنوار ، 26 : 55/ح114. بصائر الدرجات : 66. (10) في البصائر : (وإِنَّه جمع اللَّـه ذلك لمحمَّد صلى الله عليه واله وأَهل بيته). (11) في البصائر : (أَعطىٰ اللَّـه). (12) بحار الأَنوار ، 17 : 134/ح11. أُصول الكافي ، 1 : 230. بصائر الدرجات : 57