مَعَارِف إِلْهِيَّة : (239) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /
13/09/2024
الدَّرْسُ (239) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه التالي : / التَّنْبِيه التاسع و العشرون: / / دين اللَّه لا يُصَاب بعقول البشر/ إِنَّ التَّفسير الدارج للقاعدة والمقولة الوحيانيَّة العظيمة الواردة في بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «إِنَّ دين اللّٰـه لا يُصاب بالعقول ... ولا يُصَاب إِلَّا بالتَّسليم ، فَمَنْ سَلَّمَ لنا سَلِم ، وَمَنْ اهتدىٰ بنا هُدي ، وَمَنْ دان بالقياس والرأي هَلَك ، وَمَنْ وجد في نفسه شيئاً مِمَّا نقوله أَو نقضي به حرجاً كفر بالَّذي أَنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم»(1)من اختصاصها بتشريعات الفروع ليس بسديدٍ ؛ فإِنَّها شاملة أَيضاً، بل أَبرز مصاديقها : أُصول الدِّين وسائر العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، وشاملة أَيضاً لأَحكام الأَخلاق والآداب والسنن والأَعمال والحالات والرياضات الرُّوحيَّة والنَّفسيَّة. والنكتة واضحة ؛ فإِنَّ العقل بمفرده يتيه في هذه المباحث والأَبواب ؛ لكونها خارجة عن حريمه وعالمه وحدوده ومكنته ، فلا بُدَّ له من الاهتداء ببيانات الوحي . بل كلَّما ارتقت وتصاعدت معاني وحقائق أُصول الدِّين والعقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، ومعاني وحقائق الأَخلاق والآداب والسُّنن ؛ والأَعمال والحالات والرياضات الروحيَّة والنَّفسيَّة ، ومعاني وحقائق فروع الدِّين كُلَّما ازدادت الحاجة أَكثر إِلى هدي بيانات الوحي. وبالجملة : الجزء الأَعظم من الدِّين وعمدته يكمن في العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، فيكون التَّفسير المناسب لهذه القاعدة : أَنَّ جملة دين اللّٰـه وشرعه لا يُصَاب بالعقول. ومعناه : أَنَّه لا يُمكن استبداد عقول البشر وذواتهم وقواهم الإِدراكيَّة مهما عَلَت وارتقت من الوصول إِلى حقائق العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ؛ لأَنَّها موجودات نوريَّة حيَّة شاعرة ، من عوالم نوريَّة صاعدة ، فوق عَالَم العقل وعوالم طبقات حقائق ذوات البشر وأَرواحهم الصَّاعدة. لكن : هذا لا يعني تشطيب لدور العقل وإِقصائه ـ كيف وهو والُمخاطب الأَوَّل بالدِّين. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «لَـمَّا خَلَقَ اللّٰـهُ العقلَ اسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قال له: أَقْبِل ، فَأَقْبَل ، ثُمَّ قال له : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ . ثُمَّ قال : وعِزَّتِي وجَلَالي ، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هو أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ ، ولا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيْمَنْ أُحِبُّ ، أَمَا إِنِّي إِيّاك آمُرُ، وإِيَّاكَ أَنْهىٰ ، وَإِيّاكَ أُعَاقِب ، وَإِيّاكَ أُثِيبُ»(2). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... إِنَّ اللّٰـهَ عزَّوجلَّ خَلَقَ العقل ، وهو أَوَّلُ خَلْقٍ من الرُّوحَانِّيينَ عن يمين العرش من نورهِ ، فقال له : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِل ، فَأَقْبَل ، فقالَ اللّٰـه تبارَكَ وتعالىٰ : خَلَقْتُكَ خَلْقاً عَظِيماً ، وكرَّمْتُكَ على جميع خلقي ...»(3). ـ وإِنَّما يعني : عدم صحَّة استبداد العقل في إِقامة أَقيسة الاستدلال في أَبواب العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة وفروع الدِّين لاستكشاف الحقيقة ، فدين اللّٰـه وشرعه لا يُصَاب بانفراد وتفرُّد العقل. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن الحسن بن عَمَّار ، قال : «... قِيْلَ له : فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال : إِنَّ العاقل لدلالة عقله الَّذي جعلهُ اللّٰـه قِوَامَهُ وزينته وهدايته ، عَلِمَ أَنَّ اللّٰـه هو الحقُّ ، وأَنَّه هو رَبُّهُ ، وعَلِمَ أَنَّ لخالقه مَحَبَّةً ، وأَنَّ له كراهية ، وَأَنَّ له طاعةً ، وأَنَّ له معصيةً ، فلم يجد عقلهُ يَدُلُّهُ على ذلك ، وَعَلِمَ أَنَّه لا يُوصَلُ إِليه إِلَّا بالعلم وطلبه ، وأَنَّه لا يَنْتَفِعُ بعقله إِنْ لم يُصِبْ ذلك بعلمه ، فوَجَب على العاقل طلب العلم والأَدَبِ الَّذي لا قوامَ له إِلَّا به»(4). 2ـ بيان الإِمام موسىٰ الكاظم عليه السلام : «... نَصْبُ الحقِّ لطاعة اللّٰـه ، ولا نجاة إِلَّا بالطَّاعة ، والطَّاعة بالعِلْم ، والعِلْمُ بالتَّعَلُّم ، والتَّعَلُّمُ بالعقل يُعْتَقَدُ ، ولا عِلْمَ إِلَّا من عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ ، ومعرِفَةُ العلم بالعقل ...»(5). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. وعلى هذا قس أَشباه ونظائر هذا البيان الوحيانيّ الشَّريف(6)، كبيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... والسُّنَّة إِذا قيست محق الدِّين»(7). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 303/ح41. (2) أصول الكافي ، 1 : 11/ح1. (3) المصدر نفسه : 17/ح4. (4) أصول الكافي ، 1 : 22/ح34. (5) المصدر نفسه : 13/ح12. (6) المراد من البيان الوحياني : ما تقدَّم في صدر المبحث ، وهو : بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «إِنَّ دين اللّٰـه لا يُصاب بالعقول ...». (7) وسائل الشيعة ، 29 : 352/ح1. الكافي ، 7 : 299/ح6