الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة ، من الدرس (200 ـ 400 ) المقصد الأَوَّل / المقدمة | مَعَارِف إِلْهِيَّة : (302) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /

مَعَارِف إِلْهِيَّة : (302) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /

16/11/2024


الدَّرْسُ (302) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه الثَّامن و السِّتَّيْن ، ولازال البحث فيه ، وكان تحت عنوان : « تفسير أَسماء وصفات وأَفعال أَهل البيت عليهم السلام بلغة حضاريَّة » ؛ فإِنَّه بعدما كانت حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة موجودات في عوالم علويَّة صاعدة ، وكانت أَسماء وصفات إِلٰهيَّة حاكمة على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتُديرها وتُدبِّر أُمورها وشؤونها وأَحوالها كانت أَسمائهم صلوات اللّٰـه عليهم وأَوصافهم وأَفعالهم منظومة ودورة معارف ؛ يبلغ المُتدبِّر بها أَعالي الجنان ، ويسبح ويغور في بحور عوالم معارف غير متناهية. وعليه : فينبغي أَنْ لا تُفسَّر ولا تُقرأ بسطحيَّة وبلغة جافَّة؛ وأَنْ لا تُحصر بالبُعد النَّفسي والفردي ، بل لا بُدَّ أَنْ تُفسَّر وتُقرأ بتفسير وقراءة عصريَّة حضاريَّة ، وبالبُعد المجتمعي والأُممي والحضاري الإِلٰهيّ ، وبالبُعد العوالمي الشَّامل لجملة عوالم الخلقة ومخلوقاتها غيرالمتناهية. وخذ على ذلك الأَمثلة التالية ، وصل الكلام الى المثال التالي : / صفة : (كظم الغيظ) / وعلى هذا قس : سائر أَسماء وصفات وفضائل أَهل البيت عليهم السلام كـ : (صفة كظم الغيظ)(1)، فإِنَّ ما جرىٰ على الإِمام موسىٰ بن جعفر عليهما السلام في السجن ومكابدته ومعاناته ينبغي أَنْ لا يقتصر تفسيرها على البعد الفردي والنفسي ، وإِنَّما كظم غيظ أُمميّ ومجتمعيّ وحضاريّ ، وقيادة إِلٰهيَّة ، وكفاءة نظام إِدارة وقيادة إِلٰهيَّة شاملة لجملة أَرجاء الدولة الإِسلاميَّة الإِلٰهيَّة ؛ الشَّاملة لجميع العوالم وسائر المخلوقات ، مُنطلقة من الأَسماء والصفات والفضائل والأَفعال الإِلٰهيَّة ، ومن ثَمَّ استفزاز الدولة العبَّاسيَّة العظمىٰ(2) له صلوات اللّٰـه عليه ليس بما هو رَجُلٌ فردٌ ، بل بما لديه قاعدة شعبيَّة ، وإِمكانيَّات مجتمعيَّة وأُمميَّة وحضاريَّة وإِلٰهيَّة ، فأَرادت أَنْ تذهب به إِلى المنازلة المُعلنة ؛ كيما تُبيد إِنجازاته وإِنجازات آبائه وأَجداده المجتمعيَّة والأُمميَّة والحضاريَّة والإِلٰهيَّة العظيمة، وبنيانهم الحضاريّ والإِلٰهيّ الخطير، فكظم عليه السلام هذا الاستفزاز(3)، فأَراد هارون العبَّاسي السفيه(4) إِبادة حضارة دين الإِسلام وإِقامة مقامها : ما أَسَّسه من مجون وإِباحيَّة وانفلات ماديّ ، ولُغَة الدم والسجون ، فأَبىٰ صلوات اللّٰـه عليه إِلَّا أَنْ يجعل اللُّغَةَ : لُغَة الإِنسانيَّة ، ولُغَة المنطق ، ولُغَة المبادئ ، ولُغَة العقل والتعقُّل ، وإِنْ استلزم ذلك إِبادة بدنه الشَّريف. وثوريَّته صلوات اللّٰـه عليه ليست كثوريَّة وتطرُّف الزيديَّة ؛ وثوريَّة الثوار وتطرُّفهم ، وتطرُّف الخط الثوري الأَحمق ، بل ثوريَّة حضارة وإِنسانيَّة. وبعبارة أُخرىٰ : اجتمعت في الإِمام الكاظم صلوات اللّٰـه عليه : سُنَّة الإِمام الحسن وسُنَّة الإِمام الحسين عليهما السلام ، فإِنَّ معاوية (عليه اللعنة) أَراد استفزاز الإِمام الحسن صلوات اللّٰـه عليه ليحاربه ؛ كيما يُبيد كُلَّ موروث أَصحاب الكساء عليهم السلام ، لكنَّه صلوات اللّٰـه عليه لم يعطه تلك الذريعة ، وحافظ على جيشٍ مُؤلَّفٍ من (70) أَلف مُقاتل مُحترف. إِذَنْ : ليس حال الإِمام الكاظم وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم كحال الجموديِّين ـ خلافاً لِـمَا تخيَّله البعض ـ ، بل حراك من دون هوادة ، لكن بخُلقٍ وتعقُّلٍ. وإِلى هذا الخط تشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... أَنَّ إِمارة بني أُميَّة كانت بالسيف والعسف والجور ، وأَن إِمامتنا بالرفق والتألف والوقار والتَّقيَّة ، وحسن الخلطة والورع والإِجتهاد ، فرغِّبُوا النَّاس في دينكم ، وفيما أَنتم فيه»(5). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لابأس بالْاِلْتِفَات إِلى أَنَّ صفة : (كظم الغيظ) وردت في بيانات الوحي في حقِّ اثنين من أَهل البيت عليهم السلام بصفةٍ خاصَّةٍ : أَمير المؤمنين والإِمام موسىٰ الكاظم عليهما السلام ، أَمَّا سائرأَهل البيت عليهم السلام فإِنَّها تُذكر لهم بصفةٍ جمعيَّةٍ. فانظر : بيانات الوحي الواردة في حقِّ أَمير المؤمنين عليه السلام ، منها : بيان زيارته عليه السلام يوم الغدير : «... وَأَشْهَدُ اَنَّكَ لَمْ تَزَلْ لِلْهَوى مُخالِفاً ، وَللِتُّقىٰ مُحالِفاً ، وَعَلى كَظْمِ الْغَيْظِ قادِراً ، وَعَنِ النّاسِ عافِياً غافِراً... وَأَنْتَ الْكاظِمُ لِلْغَيْظِ ، وَالْعافي عَنِ النّاسِ ، وَاللّٰـهُ يُحِبُّ الْـمُـحْسِنينَ...». بحار الأَنوار ، 97 : 360 ـ 368. ولاحظ : بيانات الوحي الواردة في حقِّ الإِمام موسىٰ بن جعفر عليهما السلام ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... أَوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إِسرائيل ... فإذا انقضت مدَّة جعفر قام بالأَمر بعده موسىٰ ويُدعىٰ بالكاظم ...». بحار الأَنوار ، 36 : 304 ـ 306/ح144. كفاية الأَثر : 8 ـ 9. (2) اعترف المُؤرِّخون والباحثون بأَنَّ السلطة العبَّاسيَّة أَوسع نطاقاً وأَقوىٰ اقتداراً وقوَّة من أَوج السلطة الأَمويَّة مساحة ورقعة وكيفيَّة وجبروتاً وآليَّاتاً. لكن : في موازاة ذلك قام المنافس الوحيد : نظام مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ فإِنَّ السلطة العباسيَّة لم يكن لها أَيّ منافس ورقيب يتناطح ويتدافع معها بقدر مدرسة أَهل البيت عليهم السلام. وهذه قضيَّة أُخرىٰ وظاهرة ثابتة باعتراف المؤرخين والباحثين ، ولم تنشأ من باب الصدفة. ثُمَّ إِنَّه بقدر اِتِّسَاع رقعة الدولة الإِسلاميَّة بعد استشهاد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، واِتِّسَاع رقعة النظام المُتسلِّط على المسلمين والبلدان الإِسلاميَّة اتَّسعت بموازاة ذلك قدرة نظام مدرسة أَهل البيت عليهم السلام. إِذَنْ : مدرسة أَهل البيت عليهم السلام هي الفصيل الوحيد المراقب ، والَّذي تتوجَّس منه السلطات خوفاً ورعباً ، والضَّاج لمضاجعها ، والمنافس الرقيب ، صاحب القدرة المتنامية في مدافعة سلطة السقيفة ، وسلطة بني أُميَّة ، وسلطة بني العبَّاس ، وصاحب القدرة والإِمكانيَّات والسيطرة على المسلمين وبلدانهم. وهذه الظاهرة لا زالت قائمة إِلى يومنا هذا منذُ بدايات أَيّام السقيفة. (3) ينبغي الْاِلْتِفَات : أَنَّ في شخصيَّة الإِمام الكاظم صلوات اللّٰـه عليه جهات ملحميَّة عديدة ، وبيانات أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم المستفيضة والموارد التاريخيَّة المنقولة عند الفريقين تُعزِّز: أَن أَمواج أَحداث كانت معتركة في شخصيَّته. (4) إِطلاق صفة السَّفاهة على هارون العبَّاسيّ ليس من باب التحامل ، وإِنَّما لبيان واقع ؛ فإِنَّه لم يعش حقيقة العلم ، وإِنَّما عاش العنف وسفك الدماء ، وتجنيد العلم لبساط وبلاط جوره ، ولتثبيت وتوسيع قدرته ونفوذه التسلطي الدكتاتوري. بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ العلم إِنْ جُنِّدَ للتسلُّط والدكتاتوريَّة والقدرة الذاتيَّة والإِستبداد فتلك طامَّة كبرىٰ وخطر عظيم ، بخلاف تجنيد القدرة للعلم ففتح عظيم. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : الحديث المشهور عن سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِذا رأيتم العلماء على أَبواب الملوك فبئس العلماء وبئس الملوك ، وإِذا رأيتم الملوك على أَبواب العلماء فنعم العلماء ونعم الملوك». ومن ثَمَّ كيف يُقال عن الدولة العبَّاسيَّة : أَنَّها دولة من العصور الذهبيَّة في الإسلام ، وعصرها عصر ذهبيّ في الإسلام وهي تخاف الفكر وتقمعه ، وتُقبع الإِمام الكاظم عليه السلام طوال أَربعة عشر سنة في قعر السجون ، فكفىٰ ضحكاً على ذقون البشر ؛ فإِنَّ تلك آثار هارون وقصوره الَّتي بناها لأَلف ليلة وليلة حمراء والجواري الَّتي يتكنَّس بها على الحدود العراقيَّة السوريَّة في منطقة الرقَّة لا زالت آثارها وآثار اللعب والدف والهوس والهلوسة والنزوات الخسيسة إلى الآن موجودة. (5) بحار الأَنوار ، 66 : 170/ح11. الخصال ، 2 : 8