مَعَارِف إِلْهِيَّة : (328) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / فَوَائِدٌ
12/12/2024
الدَّرْسُ (328) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(700) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الْفَائِدَةِ التالية : / الْفَائِدَةُ : (13) / / بعض خصائص مبحث (حسبنا كتاب الله ) / من خصائص مبحث : (مدى فضاعة وانحطاط مقولة "حسبنا كتاب الله " ) : أَنَّه يوقف الباحث على مباحث أُخرىٰ مُهمَّة وخطيرة جِدّاً ، منها : مبحث النزاع الدستوري ، وهو من أَعقد النزاعات الحاصلة بين سلطات الدولة الثلاث ـ التشريعيَّة ، والتنفيذيَّة ، والقضائيَّة ـ فإِنَّه لابُدَّ من الإِلتجاء في حلِّه : الإِحتكام لجهةٍ عُليا ، لها سيادة الحسم لِـمِثْلِ هذه القضايا والمواقف والنِّزَاعات والصِّرَاعات ، وهي : (المحكمة الدستوريَّة) ؛ فإِنَّ أَصحابها يتمتَّعون بمُكْنَةِ وقدرةِ الوقوف على بواطن قوالب أَلفاظ ومعاني وحقائق دستوريَّة لم تكن عند غيرهم ـ كـ : رئيس الدولة ، ورئيس البرلمان ، ورئيس السلطة القضائيَّة ، وأَصحاب الخبرة من الكُتل البرلمانيّة ـ مع أَنَّهم من أَبناء اللُّغَة الَّتي كُتِبَ بها الدُّستور ، ومن ثَمَّ يُضطرُّ ـ بعدما كانت حقيقة الدستور ليست قائمة في الأَلفاظ ، بل في معانيه وحقائقه الَّتي لا يُخبرها إِلَّا الخبير الدستوري ـ في الأُمور الشائكة المُتعلِّقة به إلى مُفسِّرٍ ومُترجمٍ لغوامضه ومبهماته ، وصاحب علم ومعرفة أَرفع في قراءته وتفسيره. ويُصطلح على مَنْ يتمتَّع بهذه المُكْنَة والقدرة بـ : (الترجمان) ، والمراد منه : مَنْ يتمتَّع بعلمٍ ومعرفةٍ وإِحاطةٍ بمنظومة العلم ، يتمكَّن من خلالها : معرفة أُصول تشريع ذلك العلم وفروعه. وعليه : فهل يحقُّ في مِثْلِ تلك الخلافات والنِّزَاعات والصِّرَاعات أَنْ يقول قائلهم : «حسبنا دستور الدولة» !! فإِنَّ نقوش وأَلفاظ فقراته بعدما كانت صمَّاء لا تنطق بنبرة شفة ، وكان المتجاذبون كُلّ يجرّ النَّار إِلى قرصه فلا تشفع ـ تلك النقوش والأَلفاظ ـ في حلِّ مسائله وقضاياه المُعقَّدة ، لاسيما الشائكة ، وحينئذٍ لا تكون يد الحلّ إِلَّا عند من يُحيط بعمق وجذور وبواطن : قوالب أَلفاظه ، ومعانيه ، وحقائقه ليس إِلَّا. هكذا حال الإِختلافات الشرعيَّة والدينيَّة لاسيما المعرفيَّة منها ، بل والعقائديَّة ، والنِّزَاعات والصِّرَاعات بين أَصحاب المذاهب والأَديان والملل، فلا تُحلُّ إِلَّا بيد مَنْ كان مُحيطاً بعمق وجذور وبواطن قوالب التَّشريعات والمعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ، وبواطن معانيها وحقائقها ، ولا يوجد ذلك إِلَّا في أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللَّـه عليهم). وهذا ما أَشارت إليه بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها(1): «... وطاعتنا نظاماً للملَّة ، وإِمامتنا أَماناً من الفرقة ...»(2). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لا بأس في المقام بالْاِلْتِفَات إِلى القضايا الأَربع التَّالية : الأُولىٰ : المعروف : أَنَّ لفاطمة صلوات اللَّـه عليها خطبتين ، لكنَّه ثبت بالتتبُّع الناقص أَنَّ لها أَربع خطب في أَربعة مواطن ، وليست لها أَربع نسخ لخطبةٍ واحدة ، وأَحد هذه المواطن : في المسجد النبوي. وهي الخطبة المعروفة. الأُخرىٰ : عندما أَتتها صلوات اللَّـه عليها نساء المهاجرين والأَنصار. وهذه أَيضاً خطبة معروفة. ثالثها : حينما أَتتها عائشة بنت طلحة ، فخطبت صلوات اللَّـه عليها ، ونشرتها ابنة طلحة. رابعها : عند قبر حمزة عليه السلام أَو في مكان آخر. الثَّانية : أَنَّ خُطْب فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها كانت تشريح وتحليل للأَوضاع دقيق ورقيق. الثَّالثة : أَنَّ أَمير المؤمنين والبتول فاطمة صلوات اللَّـه عليهما جناحان وفرسان نوران نبويَّان إِلٰهيَّان في مواجهة تربية هذه الأُمَّة وتمرُّدها ، لكن الأُمَّة لم تتحمَّل ولم تخضع ولم تنصاع تربويّاً لهما صلوات اللّٰـه عليهما ، ولا زالت إِلى الآن. الرابعة : المعروف ـ بحسب تدبُّر كثير من أَكابر الفريقين ـ : أَنَّ فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها حينما احتجَّت في قضيَّة فدك احتجَّت بحجج لا تدافع بينها ؛ بل بينها تمام الموافقة والموائمة والمؤازرة ؛ فإِنَّه يمكن للإِنسان تَملُّك الشيء الواحد بأسباب مُتعدِّدة لا تضارب بينها. الحُجَّة الأُولىٰ : أَنَّها وارثة أَبيها صلَّىٰ اللَّـه عليهما وعلى آلهما وراثة اصطفائيَّة. وقد اعترف علماء العامَّة والجمهور بـ : أَنَّ وراثة النَّبيّ سليمان من أَبيه النَّبيّ داود عليهما السلام الواردة في بيان قوله تعالىٰ : [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ] [النمل: 16] وراثة اِصطِفائيَّة. وحيث إِنَّ لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ولاية على الفيء شاملة لكلّ الأَرض ؛ انتقل هذا الإِرث بالوراثة الاِصطِفائيَّة من ضمنه أَرض فدك ـ بنصِّ بيان قوله تعالىٰ المُتقدِّم وغيره ـ بعد استشهاده صلى الله عليه واله إِلى قرباه : فاطمة الزهراء وأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت عليهم السلام. لكن : هذه القضيَّة غفل عنها الكثير من الخاصَّة ، وحصروا وراثتها عليها السلام من أَبيها صلى الله عليه واله بالوراثة الماليَّة الماديَّة. والحقُّ : أَنَّ إِرث فيء الأَرض وإِن كان ماليّاً ماديّاً ، لكنَّ ماليَّته ليست ماليَّة ماديَّة فرديَّة فقط ؛ لأَنَّه لَـمَّا كانت ـ هذه الماليَّة ـ لها سعة شاملة لجملة الأَرض كانت ولاية اِصطِفائيَّة. الحجَّة الثَّانية : أَنَّ أَبيها صلى الله عليه واله وهب أَرض فدك لها. الحُجَّة الثَّالثة : أَنَّ أَرض فدك كانت تحت يدها حين استشهاد أَبيها صلى الله عليه واله ؛ فتكون داخلة في ملكها ؛ لقاعدة اليد من دون حاجة إِلى بيِّنة. الحُجَّة الرابعة : أَنَّ أَرض فدك سداد دين مهر أُمّها خديجة ، وهذا إِرث اِصطِفائي ورثته من أُمِّها صلوات اللّٰـه عليهما. (2) بحار الأَنوار ، 29 : 223