مَعَارِف إِلْهِيَّة : (381) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / فَوَائِدٌ
03/02/2025
الدَّرْسُ (381) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(700) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الفَائِدَة (56) ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : « مُصطلح (الوَهْم)» ؛ وعنوان : « إِطلاق عنوان (الوَهْم) على جملة من إِدْرَاكات العقل المُتعلِّق بأَلطف الأَجسام توسُّطاً » ؛ فإِنَّ المقصود من عنوان ولفظ: (الوَهْم) و(القوىٰ الواهمة) الوارد في بيانات الوحي وفي اِصطِلاح المعقول والعلوم العقليَّة ـ كـ: الفلسفيَّة والكلاميَّة والعرفانيَّة ـ ليس ما يُقصد في العرف واللُّغة ـ أَي: الخلط والِاشْتِبَاه، وخطرات القلب، والسَّراب الَّذي لا حقيقة له، أَو مرجوح طرفي الُمتردَّد فيه ـ بل الإِدْرَاك العقلي المُتَعَلِّق بالجسم أَو المقدار، والعقل المُقيَّد والمُرتبط والمُتعَلِّق بالجسم والجسمانيَّات والمقادير ـ سواء كانت مادِّيَّة: (دنيويَّة)، أَو (برزخيَّة مثاليَّة)، أَو (أُخرويَّة أَبديَّة) ـ ، ويُعبِّر عنه الَمشَّاء بـ: (العقل السَّاقط ) . ومَرَّ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الكلام في العنوان التالي : « إِطلاق عنوان (الوَهْم) على مُطلق العقل ونتاجاته أَيضاً » ، وعنوان : « إِطلاق عنوان (الوَهْم) أَيضاً على إِدْرَاكَات القلوب ومكاشفاتها عياناً » ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى المطلب التالي : / دعوى اِماتة الدِّين للعقل وتهميشه/ ومما تقدم تتَّضح: مغالطة العلمانيِّين والحداثويِّين والفلسفات الأَلسِنِيَّة وما شاكلها؛ فإِنَّهم يدَّعون اِماتة الدِّين للعقل ومحاربته له. والحقُّ: أَنَّ الدِّين لا يتنكَّر للعقل ولا يُهمِّشه، وإِنَّما يزن الأُمور بوزنها، فالدِّين يحثُّ علىٰ العقل والفكر والتَّفَكُّر، ويُشدّد عليها. فانظر: بيانات الوحي، منها: بيان الإِمام الكاظم (صلوات اللّٰـه عليه)، عن هشام بن الحكم، قال: «قال لي أَبو الحسن موسىٰ بن جعفر عليه السلام : يا هشام، إِنَّ الله تبارك وتعالىٰ بَشَّرَ أَهل العقل والفهم في كتابه فقال: [فَبَشِّرْ عِبَاد * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ](1). يا هشام، إِنَّ الله تبارك وتعالىٰ أَكمل للنَّاس الحُجَجَ بالعقول، ونصر النَّبِيِّين بالبيان، ودَلَّهم علىٰ رُبوبيَّته بالأَدلَّة، فقال: [وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ](2). يا هشام، قد جعل الله ذلك دليلاً علىٰ معرفته بأَنَّ لهم مُدَبِّراً، فقال: [وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ](3). وقال: [هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ](4)... يا هشام، إِنَّ العقل مع الْعِلْم، فقال: [وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ](5) ... يا هشام، ثُمَّ ذَكَرَ أُولي الأَلباب بأَحسن الذِّكر، وحَلَّاهُمْ بأَحْسَنِ الِحليَة، فقال: [يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ](6) ... يا هشام، إِنَّ الله تعالىٰ يقول في كتابه: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ](7)، یعني: عقلٌ، وقال: [وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ](8)، قال: الفهم والعقل. يا هشام، إِنَّ لقمان قال لِابْنِهِ: ... يا بُنيَّ إِنَّ الدُّنيا بحرٌ عميقٌ، قد غَرِق فيها عَالَمٌ كثيرٌ، فلتكن سفينتُكَ فيها تقوىٰ الله، وحَشوُها الإِيمان، وشِرَاعُهَا التَّوكُّلَ، وقَيِّمُهَا العقل، ودليلها الْعِلْم ... يا هشام، ما بعث اللهُ أَنبياءه ورُسُلَه إِلى عباده إِلَّا ليعقِلوا عن الله، فأَحسنهم استجابةً أَحسنهم معرفةً، وَأَعلمهم بأَمر الله أَحسنهم عقلاً، وَأَكملُهُم عقلاً أَرفعُهُمْ درجةً في الدُّنيا والآخرة. يا هشام، إِنَّ للّٰـه علىٰ النَّاسِ حُجَّتين: حُجَّةً ظاهرةً، وَحُجَّةً باطنةً، فأَمَّا الظَّاهرةُ فالرُّسُل والأَنبياء والأَئِمَّة عليهم السلام ، وَأَمَّا الباطنة فالعقول ... يا هشام، كان أَمير المؤمنين عليه السلام يقول: ما عُبِدَ اللهُ بشيءٍ أَفضل من العقل ...»(9). ودلالته واضحة. نعم، الدِّين يُحارب التَّطَرُّف والغُلُوّ في العقل وسائر قدرات وقوىٰ الإِنسان؛ لكونها محدودة؛ فلذا كان سعي الإِنسان لِتَعَلُّم العلوم واِكْتِشَاف الواقع محدوداً. / اِشْتِبَاه مَنْ حَكَمَ عَلَى العقل ودوره بالتَّنَحِّي/ وكذا يتَّضح أَيضاً: حلّ الِاشْتِبَاه الَّذي اِرْتَطَمَ فيه جملة من أَخباريِّ الخاصَّة والعامَّة المُسَمَّون بـ: (الظَّاهريَّة)، الحاكمون بتشطيب العقل ودوره؛ فإِنَّ العقل وإِنْ لم يَرَ تمام الحقيقة والواقعيَّة لكن ليس معناه الحُكْم عليه وعلىٰ دوره بالتَّنَحِّي. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الزمر: 17ـ 18. (2) البقرة: 163ـ 164. (3) النحل: 12. (4) غافر: 67. (5) العنكبوت: 43. (6) البقرة: 269. (7) ق: 37. (8) لقمان: 12. (9) أُصول الكافي، 1: 13ـ 17/ح12