مَعَارِف إِلْهِيَّة : (464) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / فَوَائِدٌ
27/04/2025
الدَّرْسُ (464) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَةِ (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد الْعَقَائِدِيَّة والمَعْرِفِيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(700) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الفَائِدَة (116) ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : « عنوان (اللُّغة) شامل لمعنى الثقافة وما شاكلها » ؛ فإِنَّ عنوان : (اللُّغة) توسَّع في العصر الرَّاهن ـ في بحوث العلوم : (الإِنسانيَّة)، و(الِاجتماعيَّة)، و(الحضاريَّة) وغيرها ـ ليشمل ـ بالإِضافة إِلى اللُّغة والأَلفاظ المعهودة ـ الثقافة ؛ فثقافة أَيّ مجتمعٍ وأَيّ بيئةٍ خاصَّةٍ لُغَة من اللُّغات العصريَّة ، فلكُلٍّ مِنْ الفقهاء ، والأَطباء ، والمهندسين ، والقانونيّين ، والسياسيّين ، والعسكريِّين والَأمنيِّين وَهَلُمَّ جَرّاً من سائر الأَصناف ثقافته ولُغَته الخاصَّة . بل الرَّائج في العصر الرَّاهن في العلوم والبحوث الإِنسانيَّة والِاجتماعيَّة والفلسفيَّة : أَنَّ صدق عنوان اللُّغة علىٰ هذا النحو أَحَقُّ من صدقه علىٰ لُغَة الأَلفاظ المعهودة .ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى المطلب التالي : ولا يبعد إِشارة بيان قوله تقدَّس ذكره : [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ](1) إِلى هذه اللُّغة . بتقريب : أَوَّلاً : إِنَّ المراد من (اللِّسَانِ) في البيان الشَّريف ليس الأَلفاظ واللُّغة المعهودة ، وإِنَّما لِسَان ولُغَة الثقافة الموجودة لدىٰ أَقوام الأَنبياء والمرسلين ، فيُبعث النَّبيّ بثقافة قومه ؛ كيما لا يكون فرداً شاذّاً . وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإمام الرِّضا عليه السلام ، عن أَبي يعقوب البغداديّ ، قال : «قال ابن السِّكِّيت لأَبي الحسن عليه السلام : لِماذا بَعَثَ اللهُ موسىٰ بن عِمْرَان عليه السلام بالعَصَا، ويده البيضاء ، وآلة السِّحْر؟ وبَعَثَ عيسىٰ عليه السلام بآلَةِ الطِّبِّ؟ وبَعَثَ مُحمَّداً صلَّىٰ الله عليه وآله وعلىٰ جميع الأَنبياء بالكلام والخُطَب؟ فقال أَبو الحسن عليه السلام : إِنَّ الله لَـمَّا بَعَثَ موسىٰ عليه السلام كان الغَالِبُ علىٰ أَهل عصره السِّحْرَ فأَتاهم من عند الله بما لم يكن في وُسْعِهِم مِثْله ، وما أَبْطَلَ به سِحْرَهُمْ ، وأَثْبَتَ به الحُجَّة عليهم ، وإِنَّ الله بَعَثَ عيسىٰ عليه السلام في وقتٍ قد ظهرت فيه الزَّمَانَاتُ واحتاجَ النَّاسُ إِلى الطِّبِّ ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهُم مِثْلُهُ ، وبما أَحيا لهم الموتىٰ ، وَأَبرأ الأَكمه والأَبرص بإذن الله ؛ وَأَثبت به الحُجَّة عليهم ، وإِنَّ الله بَعَثَ مُحمَّداً صلى الله عليه واله في وقتٍ كان الغالبُ علىٰ أَهل عصره الخُطَبَ والكلام ـ وأظنَّه قال: الشِّعْرَ ـ فَأَتاهُمْ من عند الله من مَوَاعِظِهِ وحِكَمِهِ ما أَبطل به قولهم، وأَثبت به الحُجَّة عليهم . قال : فقال ابن السِّكِّيتِ : تاللّٰـهِ ، ما رأَيتُ مِثْلَكَ قَطُّ ...»(2). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّ بعثة كُلّ رسولٍ جاءت على وفق الغالب مِنْ أَحوال وثقافة عصره ؛ فبُعثَ النَّبيُّ موسىٰ عليه السلام بـ : (العصا) بعدما كان الغالب علىٰ أَحوال وثقافة قومه : السِّحْر، فإِذا هي حَيَّة تسعىٰ تلقف ما يُؤفكون ، وفلق بها البحر يبساً ؛ فأَبهرت كُلّ ساحرٍ، وأَذلَّت كُلَّ كافرٍ . وَبُعِثَ النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام بعدما كان الغالب علىٰ أَحوال وثقافة قومه : الطِّبّ بـ : (إِبْرَاء الزمنىٰ) ، و(إِحْيَاء الموتىٰ) ؛ فأَدهَشَ كُلَّ طبيبٍ وأَذْهَلَ كُلَّ لبيبٍ . وبُعِثَ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله بعدما كان الغالب علىٰ أَحوال وثقافة قومه : الفصاحة والبلاغة بـ : (القرآن الكريم) ؛ فإِذا هو في الفصاحة والبلاغة والإِيجاز ما بَهَرَ به الفُصَحَاء ، وَأَعيىٰ البلغاء ، وقهر الشعراء ، فكان العجز والتقصير عنه أَقهر وَأَظهر . ثانياً : لو تنزَّلنا ـ وقلنا : إِنَّ بيان قوله تقدَّس ذكره محمول علىٰ اللُّغة اللِّسانيَّة المُتعارفة ـ فنقول : إِنَّ لبيانات الوحي الإِلٰهيّ القابليَّة علىٰ الحمل ـ بالدلائل والقرائن والشَّواهد العلميَّة ـ علىٰ معانٍ غير متناهية . فانظر : 1ـ بیان قوله تعالىٰ : [ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ] (3). 2ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وَأَنَّ الكلمة من آل مُحمَّد تنصرف إِلى سبعين وجهاً ...»(4). والعدد في المقام لبيان الكثرة لا الحصر، كحال بيان قوله تقدَّس ذكره : [إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ](5). ومن ثَمَّ يمكن حمل بيانات أَهل البيت عليهم السلام ـ بالدلائل والقرائن والشَّواهد العلميَّة ـ علىٰ معانٍ غير متناهية ، كحال بيانات القرآن الكريم ؛ لأَنَّ الجميع وحي إِلٰهيّ . وحيث إِنَّ القرائن والدَّلائل العلميَّة في المقام تُساعد علىٰ سراية وشمول عنوان ولُغَة : (اللِّسان) إِلى كُلِّ لُغَةٍ تؤدِّي مؤدَّاها والإِيصال إِلى ما ورائها ، فيكون صدق وبیان قوله تقدَّس ذكره على اللُّغَة والثقافة الرَّائجة ، واللُّغَات : العلميَّة والعقليَّة والمعادلات البرهانيَّة وما شاكلها كصدقه علىٰ اللُّغة المُتعارفة . ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إِبراهيم : 4. (2) بحار الأنوار، 17: 210/ح15. أُصول الكافي، 1/ كتاب العقل والجهل: 19ـ 20/ح20. (3) لقمان: 27. (4) بحار الأنوار، 25: 173. (5) التوبة: 80