الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الالهية ، من الدرس (401 ـ 600 ) المقصد الاول / المقدمة | مَعَارِف إِلْهِيَّة : (484) ، مَسَائِلٌ وفَوَائِدٌ وقَوَاعِدٌ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَةُ / فَوَائِدٌ

مَعَارِف إِلْهِيَّة : (484) ، مَسَائِلٌ وفَوَائِدٌ وقَوَاعِدٌ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَةُ / فَوَائِدٌ

17/05/2025


الدَّرْسُ (484) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَةِ (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد الْعَقَائِدِيَّة والمَعْرِفِيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(700) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الفَائِدَة (127) ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : « الْفَارِقُ بين اِسْتِعْمَالَات فقه الشريعة وفقه الدِّين » ؛ فإِنَّ اِسْتِعْمَالَات الوحي الواردة في أَبواب المعارف ليست على نسق اِسْتِعْمَالَاته في أَبواب الفروع ؛ لأَنَّ معاني الأَوَّل كمعارفه لا تختصُّ بالنَّشْأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لمطلق العوالم والنَّشَآت . بخلاف الثاني ؛ فإِنَّه يختصُّ غالباً في هذه النَّشْأة . وهذا يرسم فارقاً مُهمّاً في الاِسْتِعْمَالَات اللُّغويَّة الواردة في بيانات الوحي بين فقه المعارف وفقه الفروع . وهذا مؤيِّد ومُؤكِّدة لصحَّة القاعدة اللُّغويَّة المختارة : (خذ الغايات واترك المبادئ) ؛ لأنَّ أَبواب الـمعارف ـ كهذه القاعدة ـ شاملة لـمطلق العوالم سواء كانت قبل هذه النشأة ، أَم في هذه النَّشْأة ، أَم بعدها . وعليه : لا بُدَّ من اِختلاف ضوابط الاِسْتِعْمَالَات والظُّهورات في أَبواب الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة عن ضوابطهما في أَبواب الفروع ؛ وذلك بحكم اِختلاف موضوع البحث . لكن : هناك رهط من الأُمَّة لم يراعوا هذه الضابطة ؛ فوقعوا بين إفراط وتفريط ؛ فمنهم مَنْ لم يُحَكِّم هذه القاعدة في أَبواب الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة ، ومن ثَمَّ وسَّعَ حُكم الماديَّات والنَّشْأَة الأَرضيَّة إِلى العَالَم الربوبي وعَالَم النُّور والملائكة . ومنهم ـ كبعض العرفاء والصوفيَّة وأَصحاب الفرق الباطنيَّة ـ حَكَّمَ العكس في فقه الفروع ، وقال : إِنَّه ناظر حصراً إِلى الباطن والنَّشْأَة الخفيَّة والغيبيَّة ، وليس بناظر إِلى المصاديق والنَّشْأَة الماديَّة . مثاله : ماهيَّة الصَّلاة وحقيقتها ؛ فإِنَّها ليست ما هو معهود من أَجزاء وشرائط ، بل غايتها ، وهي : ذكر الله سبحانه وتعالى . وماهيَّة الصُّوم وحقيقته ؛ فإِنَّها ليست ما هو معهود ، وإِنَّما : الإِعراض عمَّا عدا الله عَزَّ وَجَلَّ ؛ وإِن اِرْتَكَبَ الصائم المفطِّرات المعهودة . وماهيَّة الحَجِّ وحقيقته ؛ فإِنَّها ليست ما هو معهود ، وإِنَّما : التوجُّه إِلى كعبة القلوب : (الذَّات المقدَّسة) وإِنْ لَمْ تُقصد الديار المُقدَّسة ؛ ولم يُؤتَ بأفعال الحجِّ خارجاً . وإِنَّ قوله تعالىٰ : [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ](1) دليل على ذلك ؛ وأَنَّ غاية العبادة : ( اليقين ) ، فإذا حصل اِنتفت الغاية ، فلا عبادة . وهي كما ترى تخطب على نفسها ؛ بأَنَّ أَصحابها عملوا بالشُّبهات ، وساروا في الشَّهوات ، فخالفوا ما أَنجبته بيانات الوحي الشريف ، وطاهر كلماته ، منها : تقدم الكلام عن الدليل الاول ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الدليل الثاني : 2ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، عن المفضَّل : « أَنَّه كَتَبَ إِلى أَبي عبد الله عليه السلام ، فجاءه هذا الجواب مِنْ أَبي عبد الله عليه السلام : ... كتبتَ تَذْكُر : أَنَّ قُوماً أَنَا أَعرفهم كان أَعجبك نحوهم وشأنهم ، وأَنَّكَ أُبْلِغْتَ عنهم أُموراً تُرْوَى عنهم كرهتها لهم ، ولَمْ تَرَ بهم إِلَّا طريقاً(2)حسناً وورعاً وتخشّعاً ، وبَلَغَكَ أَنَّهم يزعمون أَنَّ الدِّين إِنَّما هو معرفة الرِّجال ، ثُمَّ بعد ذلك إِذا عرفتهم فاعمل ما شئتَ ... وَذَكَرْتَ : أنَّه بلغكَ أَنَّهم يزعمون أَنَّ الصَّلاة والزَّكاة وصوم شهر رمضان والحجّ والعمرة والمسجد الحرام ، والبيت الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام هو رَجُل(3) ، وأَنَّ الطهر والإِغتسال من الجنابة هو رَجُل ، وكلُّ فريضة افترضها الله على عباده هو رَجُل(4)، وأَنَّهم ذكروا ذلك بزعمهم : أَنَّ مَنْ عرف ذلك الرَّجُل فقد اكتفى بعلمه به من غير عمل ، وقد صَلَّـى وآتى الزَّكاة وصام وحجَّ واعتمر واغتسل من الجنابة وتطهَّر وعظَّم حرمات الله والشَّهر الحرام والمسجد الحرام(5)، وأَنَّهم ذكروا : أَنّ من عرف هذا بعينه وبحدِّه ، وثبت في قلبه جاز له أنْ يتهاون ، فليس له أَنْ يجتهد في العمل ، وزعموا أَنَّهم إِذا عرفوا ذلك الرَّجُل فقد قُبِلَت منهم هذه الحدود لوقتها وإِنْ لم يعملوا بها ... ويزعمون أَنَّ لهذا ظَهْرَاً وبَطْناً يعرفونه ، فالظَّاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم ، والباطن هو الَّذي يطلبون ، وبه أُمروا بزعمهم ... وأَنا أُبيِّنه حتَّى لا تكون من ذلك في عمى ولا شُبْهَة ... أُخبرك أَنَّه مَنْ كان يدين بهذه الصِّفة الَّتي كَتَبْتَ تسألني عنها فهو مشرك بالله تباك وتعالى ، بيّن الشّرك لا شَكّ فيه ، وأُخبرك أَنَّ هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أَهله ، ولم يعطوا فَهْمَ ذلك ، ولم يعرفوا حدّ ما سمعوا ، فوضعوا حدود تلك الأَشياء مقايسة برأيهم ومنتهى عقولهم ، ولم يضعوها على حدود ما أُمروا كذباً وافتراء على الله ورسوله ، وجرأة على المعاصي ، فكفى بهذا لهم جهلاً ... ومَنْ أَطاع حرَّم الحرام ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظَّاهر ، إِنَّما حرَّم الظَّاهر بالباطن ، والباطن بالظَّاهر معاً جميعاً ، ولا يكون الأَصل والفروع وباطن الحرام حرام وظاهره حلال ، ولا يحرّم الباطن ويستحلّ الظَّاهر ، وكذلك لا يستقيم أَن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظَّاهر ، ولا الزَّكاة ولا الصوم ولا الحجّ ولا العمرة ولا المسجد الحرام وجميع حرمات الله وشعائره وأَنْ يترك معرفة الباطن ؛ لأَنَّ باطنه ظهره ، ولا يستقيم إِنْ ترك واحدة منها إِذا كان الباطن حراماً خبيثاً فالظَّاهر منه إِنَّما يشبه الباطن ، فمن زعم أَنَّ ذلك إِنَّما هي المعرفة وأنَّه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأَشرك ذاك لم يعرف ولم يطع ، وإِنَّما قيل : « اعرف واعمل ما شئت من الخير » ...»(6). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة . وبالجملة : فإِنَّ المعنىٰ المراد من لفظ (الظَّاهر) ـ في قاموس الدِّين ـ : الشريعة ، فإذا لم تُتَّبع لم يلج المخلوق في الدِّين والباطن . وسبب هذا الاِنحراف : التَّطبيق الخاطئ لقاعدة : (خذ الغايات واترك المبادئ) في باب فقه الفروع ؛ فإنَّ حقيقة هذه القاعدة تتوخَّى عدم حصر الوضع في المبادئ ، بل يشمل الغايات ، وليس معناها نسف المبادئ . إِذَنْ : على الباحث الِالتفات بدقَّة إِلى موارد تطبيق هذه القاعدة. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات : 99 . (2) خ . ل: (إِلَّا هدياً حسناً). (3) في المختصر: (هم رجال). (4) في المختصر: (فهي رجال). (5) في المختصر: (والمسجد الحرام، والبيت الحرام). (6) بحار الأَنوار، 24: 286/ح1