الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الالهية ، من الدرس (401 ـ 600 ) المقصد الاول / المقدمة | مَعَارِف إِلْهِيَّة : (507) ، مَسَائِلٌ وفَوَائِدٌ وقَوَاعِدٌ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَةُ / فَوَائِدٌ

مَعَارِف إِلْهِيَّة : (507) ، مَسَائِلٌ وفَوَائِدٌ وقَوَاعِدٌ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَةُ / فَوَائِدٌ

09/06/2025


الدَّرْسُ (507) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَةِ (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد الْعَقَائِدِيَّة والمَعْرِفِيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(700) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الفَائِدَة (141) ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : « مُميِّزَات قوالب بيانات الوحي » ؛ فإِنَّ لقوالب بيانات الوحي مُـمَيِّزات ، منها : الأَوَّل : أَنَّها مرآة مهولة ، لا تنفد معانيها وحقائقها ، ولا تنتهي ولا تتناهىٰ عند حدٍّ أَزلاً وأَبداً . الثَّاني : أَنَّها تعصم شيئاً فشيئاً مَنْ يتمسَّك بها من الزَّيغ والزَّلل والِانحراف . الثَّالث : أَنَّها لا تدع لِمَنْ يتمسَّك بها ثغرةً ومجالاً للنقض عليه ، ويكون في حِصْنٍ حَصِين من تشكيك المُشَكِّكين ؛ وسهام المغرضين والمُعترضين . ووصل بنا الكلام ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى المطلب التالي : وهذا هو المراد من معنىٰ : (التَّعَبُّديَّة) و(التَّوقيتيَّة) و(التَّوقيفيَّة) في أَبْوَابِ مَعَارِفِ الوحي ؛ فما يُقال من أَنَّ الأَسماء والصِّفات الْإِلَهِيَّة ، وَأَسماء(1) سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَصِفَاتهم وَهَلُمَّ جَرّاً أُمورٌ تَعَبُّديَّة تَوقيتيَّة تَوقيفيَّة هي بهذا المعنىٰ . وليس معناه ـ كما تخیَّله خُلَاة الأَذهان عن طبيعة بيانات الوحي المنان مِنْ الفلاسفة والعَلمانيِّين والماديِّين وَمَنْ شاكلهم(2) ـ : أَنَّ التَّمَسُّك بأَلفاظ وعناوين بيانات الوحي تحجيرٌ للعقل وَإِحْبَاسٌ وإِغلاقٌ للفكر، بل معناه العكس ؛ فإِنَّ التَّمَسُّك بنتاج البشر فقط ـ بعدما كانت سَعَة البشر وطاقته وَمِكْنَته ونتاجه ؛ والأَلفاظ والمعاني والحقائق الَّتي يتعامل بها محدودة ؛ لمحدوديَّة المخلوق كان ـ هو التَّحجير للعقل وحبس وإِغلاق للفكر، فيُحْبَس مَنْ يتمسَّك به فقط عن العروج إِلى آفاق وعوالم معرفيَّة عظيمة ومهولة وخطيرة جِدّاً، لا يحيط بها إِلَّا باعِث الوحي الإِلٰهيّ (تقدَّست أَسماؤه وعظمت آلاؤه) وأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بخلاف سَعَة الوحي الإِلٰهيّ وطاقته ونتاجه ، والمعاني والحقائق المُتعَامل بها ؛ فإِنَّها بحور متلاطمة زخَّارة ؛ غير متناهية وغير محدودة أَزلاً وأَبَدًا في طُرِّ العوالم غير المتناهية . وَمِنْ ثَمَّ كُلُّ عنوانٍ وكلمةٍ ولفظةٍ ، بل كُلُّ شفرةٍ وزيادةٍ ونقيصةٍ يطلقها المعصوم عليه السلام تُعطي بحوراً من المعاني والحقائق الفيَّاضة غير المتناهية ، وتدلُّ علىٰ عوالم معرفيَّة غير متناهية أَيضاً ، خطيرة وعظيمة ومهولة جِدّاً . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هناك نُكْتَةٌ معرفيَّة يجب الِالتفات إِليها، حاصلها : أَنَّ الثَّابت في بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : أَنَّ لكُلِّ واحدٍ مِنْهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَسماءً عديدةً ، وكُلّ اسمٍ منها مُشتقّ من اسمٍ إِلٰهيّ . (2) يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات في المقام إِلى التَّنبيهات التَّالية : التَّنبيه الأَوَّل: / الإِيمان بالغيب باعث لتحصيل الفضائل والكمالات / إِنَّ الإِيمان بالغيب أَساس أُسس الْعِلْم والمعلومات الحقَّة، بل لولا الإِيمان بالغيب لَـمَا كان هناك باعث لتحصل الْعِلْم وسائر الفضائل والكَمَالات، ولَـمَا كانت هناك بواعث للحركة في أَيِّ عِلْم من العلوم ، سوآء أَكان ذلك المخلوق ملتفتاً إِلى هذه القضيَّة أَم لا. ولعلَّ هذا هو ما يشير إِليه بيان قوله تقدَّس ذكره : [ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ] [البقرة: 2ـ3]. التَّنبيه الثَّاني: / لا بُدَّ من إِعْطَاء العلوم الدِّينيَّة حقّها / إِنَّ العلوم المعرفيَّة الدِّينيَّة الوحيانيَّة بعد ما كانت علوم ملكوتيَّة وجب النَّظر إِليها ، والتَّعامل معها ، وعدم الِاستهانة (والعياذ بالله تعالىٰ) بها . التَّنبيه الثَّالث: / تملُّص الفلاسفة عن شعارهم الأَوَّل / / الوحي ترشيد للسِّيْرِ والْفِكْرِ إِلى خطىٰ غير متناهية في التَّكامل / هناك إِشكالٌ جذريٌّ وأَساسيٌّ يُسَجَّل علىٰ الفلاسفة وَمَنْ جرىٰ علىٰ شاكلتهم ؛ فإِنَّ ما يرفعونه من شعارٍ هم أَوَّل مَنْ يتملَّص منه منهجيّاً ، فإِنَّهم ادعوا في حَقِّ بيانات الوحي والميزان والمنهج الوحياني أَو التعبُّد الوحياني أَو التَّوقيتيَّة أَو التَّوقيفيَّة علىٰ قوالب بيانات الوحي : أَنَّها حبوسيَّة وتحجير وسلب لحريَّة الْفِكْر ولحريَّة الإِنسان ، وإِرهاب وترهيب . لكنَّه : توهم فاسد . والحقُّ: أَنَّ معناها : ترشيد للسَّيْرِ والْفِكْرِ البشري إِلى خُطىٰ غير متناهية في التَّكامل ـ ومِنْ ثَمَّ مدحت بيانات الوحي العقل والتَّفَكُّر وطلب العلم ، وذمَّت الجهل والشَّكّ والرِّيبة والتَّردُّد ؛ لكونها تُوْقِف حركة الْفِكْرِ وسَيْرَه ـ ، وعاصمة مَنْ يتمسَّك بها من الإِفراط والتَّفريط ، وتبحر به في بحور عوالم المعاني والحقائق غير المتناهية أَبَد الآباد وَدَهَر الدُّهُور، وتعطيه قوالب وبراهين ولغات وأَنظمة ونظم وموازين وحيانيَّة وعقليَّة ؛ أَعظم من دون قياس مِـمَّا يُعطيه الجهد البشري المحدود والمتناهي بمحدوديَّة وتناهي قوىٰ البشر وإِمكانيَّاته . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر عليه السلام المُوجَّه لطالبين العلم من غير أَهل البيت عليهم السلام : «يمصون الثماد ويدعون النَّهر العظيم ، قيل له : وما النَّهر العظيم ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه واله والعلم الَّذي آتاه الله ، إِنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله سنن النَّبِيِّين من آدم هلمَّ جرّاً إِلى محمَّدٍ صلى الله عليه واله . قيل له : وما تلك السُّنن؟ قال: علم النَّبيِّين بأسره ، إِنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله علم النَّبِيِّين بأسره ، وإِنَّ رسول الله صلى الله عليه واله صيَّر ذلك كلَّه عند أَمير المؤمنين عليه السلام . فقال له رَجُلٌ : يا بن رسول الله ، فأَمير المؤمنين عليه السلام أَعلم أَو بعض النَّبِيِّين ؟ فقال أَبو جعفر عليه السلام : اسمعوا ما يقول!! إِنَّ الله يفتح مسامع مَنْ يشاء ، إِنِّي حدثتُ : أَنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله علم النَّبِيِّين ، وإِنَّه جعل ذلك كلّه عند أَمير المؤمنين ، وهو يسألني هو أَعلم أَم بعض النَّبِيِّين؟!». بحار الأَنوار، 26: 166ـ 167/ ح21. بصائر الدرجات: 32ـ 33. ودلالته واضحة. والمراد من الثمد : النَّدىٰ الَّذي يتكوَّن علىٰ الأَحجار. إِذَنْ : الفلاسفة ومَنْ جرىٰ علىٰ شاكلتهم وإِنْ كانوا يتشدَّقون بالتَّحرُّر عن الضِّيق والحبوسيَّة والتَّقليد والتَّسالميَّة، لكنَّها مُجرَّد شعارات تنظيريَّة، وإِلَّا فعلم الفلسفة بعدما قصره أَصحابه عملاً علىٰ نتاج العقل البشري كان محبوساً وضيِّقاً، ولم ينفتح علىٰ أُفق الوحي غير المتناهي، والمُتخطِّي لِسَعَة العقل البشري بما لا يتناهىٰ؛ والمُعطي موادّاً علميَّة وعقليَّة ومعرفيَّة للبشريَّة أَعظم وأَخطر من دون قياس مِـمَّا تُعطيه العلوم والمعارف البشريَّة فلسفيَّة كانت وعقليَّة أَم غيرهما. نعم، لضيق أُفق الباحث في علوم ومعارف بيانات الوحي يُؤَوِّل ويلوي أَعناق دلالاتها علىٰ وفق سَعَة أُفقه وفهمه وأُفق وفهم البشر. وبالجملة : الفلسفة ولغتها لغة عقليَّة بشريَّة ، وهي محدودة ومتناهية ، بخلاف بيانات الوحي المعرفيَّة ؛ فإِنَّ لغتها عقليَّة وحيانيَّة ؛ وقلبيَّة وذوقيَّة وجدانيَّة وحيانيَّة غير محدودة وغير متناهية أَبَد الآباد وَدَهر الدُّهُور