معارف ألهية(39)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
23/02/2024
الدرس : (39 ) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، وعن المُقدِّمة الخامسة في الدرس (22 ـ 37 )، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، وعن المُقدِّمة السَّادسة في الدرس (38 )، وكانت تحت عنوان : (هيمنة المخلوق المُتقدِّم وعلوّ كمالاته) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى المُقدِّمة السَّابعة ؛ فنقول : / المُقدِّمة السَّابعة: / / أَنواع الإِحاطة/ ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الإِحاطة على أَنحاء ثلاثة : أَحدها : الإِحاطة الماديَّة الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالسطح والظاهر فقَطُّ. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم الأَجسام الغليظة. مثالها : إِحاطة الكرة الكبيرة بالكرة الصغيرة. وهذا النحو وإِن عُدَّ نحو من أَنحاء الإِحاطة في علم الرياضيِّات وعلم الهندسة ، لكنَّه بالدِّقَّة العقليَّة فيه مسامحة ظاهرة. ومنه يتَّضح : أَنَّ الدِّقَّة العقليَّة تفوق الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لإِعتمادهما على قوَّة الخيال ، بخلاف الدِّقَّة العقليَّة ؛ فإِنَّها أَشرس من دون قياس من الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لإِعتمادها على قوَّة العقل. والفارق بين القوَّتين عظيم وشاسع جِدّاً ، بل من دون قياس أَيضاً ؛ فإِنَّ العقل عين مُسَلَّحَة أَشرس من عين قوَّة الخيال بمراتب غير متناهية. وهذه نكتة نفيسة تأتي في أَبواب المعارف. ثانيها : الإِحاطة الماديَّة غير الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالظَّاهر والباطن ، لكنَّها تبقىٰ ماديَّة وجسمانيَّة ولها مقدار. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم المادَّة وعَالَم الأَجسام اللطيفة. مثالها : إِحاطة الأَشعَّة البنفسجيَّة أَو الحمراء أَو فوقها أَو تحتها بالأَجسام الأَغلظ. ثالثها : الإِحاطة التجرُّديَّة ، وهذه إِحاطة وجوديَّة ، تكون فيها للمُحيط هيمنة وإِحاطة وقدرة أَعظم وجوداً وكمالاً من هيمنة وإِحاطة وقدرة ووجود وكمال المُحاط. ومجالها : إِذا لم يكن المُحيط من عَالَم المادَّة والأَجسام ، وإِنَّما كان من عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وعَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ ، فتكون نِسْبَة المُحيط إِلى جملة المُحاط ظاهره وباطنه نِسْبَة واحدة. نظيره: نقطة مركز الدائرة بلحاظ جميع نقاط محورها(1)، فإِنَّ نسبتها إِلى الجميع واحدة ؛ من دون أَيّ تبعُّض وتفاوت. مثالها : ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله جلَّ ثناؤه : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى](2). أَي : أَنَّ قربه وقدرته وسيطرته وهيمنته على جملة المخلوقات واحدة، لا تتبعَّض ولا تتفاوت ، فهو سبحانه وتعالىٰ : [لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ](3). إِذنْ : نِسْبَة المخلوقات بالنِّسْبَة إِليه (جلَّ ذكره) تتوحَّد ، فلا يغيب شيء عنه ؛ فجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غير المتناهية في حضور واحدٍ لديه. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ؛ فإِنَّه سُئل : «عن قوله اللَّـه عزَّ وجلَّ : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى]، فقال : استوىٰ من كُلِّ شيء ، فليس شيء أَقرب منه من شيء»(4). 2ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، قال : «ذُكر عنده قوم زعموا أَنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ ينزل إِلى السَّماء الدُّنيا ، فقال: إِنَّ اللَّـه لا ينزل ولا يحتاج إِلى أَنْ ينزل ، إِنَّما منظره في القرب والبُعد سوآء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج إلى شيءٍ ، بل يُحتاج إِليه...»(5). 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن القاسم بن يحيىٰ ، عن جدِّه الحسن ، قال : «وسُئِلَ عن معنىٰ قول اللَّـه : [عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] ، قال : استولىٰ على ما دقَّ وجلَّ»(6). ثانياً : بيان قوله جلَّ قوله : [أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ](7). ومعناه : أَنَّه (تقدَّس ذكره) لا يحدّه ولا يحبسه مكان ولا زمان. ثالثاً : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا](8). ودلالته قد اِتَّضحت. وبالجملة : النِّسْبَة بين الشيء الواحد والأَشياء الكثيرة إِنْ كانت واحدة ولم تختلف فالإِحاطة منه لها تجرُّديَّة ، وإِلَّا فماديَّة. إِذنْ : في عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ لا توجد أَبداً نِسب مُتكثِّرة ، وإِنَّما نِسبة فاردة. / أَحد تفاسير بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي تحت الباء»/ ومن كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَحد تفاسير بيان أَمير المؤمنين صلوات ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير : (الدائرة). (2) طٰه : 5. (3) الإخلاص : 3. (4) بحار الأَنوار ، 55 : 7/ح5. (5) المصدر نفسه ، 3 : 311/ح5. (6) بحار الأَنوار، 3 : 336/ح45. أُصول الكافي ، 1/باب : معاني الأَسماء واشتقاقها : 80/ح3. (7) فصلت : 54. (8) النساء : 126