معارف الهية ( 60 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
15/03/2024
الدرس ( 60 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، ووصل الكلام الى المطلب التالي : رُوحُ القُدُس ومنها : (روح القدس)(1) أَو (الرُّوح الأَمري) ، وهو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، وهو أَحد أَرواح أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم). فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين × : «... وصار محمَّد نبيّاً مرسلاً وصرتُ أَنا صاحب أَمر النَّبيّ ’ ، قال اللَّـه عزَّوجلَّ : [يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](2)، وهو : روح اللَّـه لا يعطيه ولا يلقي هذا الرُّوح إِلَّا على ملك مُقرَّب أَو نبيٍّ مرسل أو وصيٍّ مُنتجب ، فمَنْ أَعطاه اللَّـه هذا الرُّوح فقد أَبانه من النَّاس ، وفوَّض إِليه القدرة ، وأَحيىٰ الموتىٰ وعلم بما كان وما يكون ، وسار من المشرق إِلى المغرب ، ومن المغرب إِلى المشرق في لحظة عين ، وعلم ما في الضمائر والقلوب ، وعلم ما في السَّماوات والأَرض ...»(3). ثانياً : بيان الإِمام عليُّ بن الحسين ‘ ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : «... يا جابر ، أَو تدري ما المعرفة ؟ المعرفة إِثبات التوحيد أَوَّلاً ثُمَّ معرفة المعاني ثانياً ... وهو قوله تعالىٰ : [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا](4)، وتلا أَيضاً : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](5)... وأَمَّا المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم ، اخترعنا من نور ذاته ... ونحن إذا شئنا شاء اللَّـه ، وإِذا أَردنا أَراد اللَّـه ... فمن أَنكر شيئاً ورده فقد ردَّ على اللَّـه جلَّ اسمه ، وكفر بآياته وأَنبيائه ورسله ... قلتُ : يابن رسول اللَّـه ، ومن المُقصِّر ؟ قال : الَّذين قصَّروا في معرفة الأَئمَّة ، وعن معرفة ما فرض اللَّـه عليهم من أَمره وروحه. قلتُ : يا سيِّدي ، وما معرفة روحه ؟ قال × : أَن يعرف كلّ مَنْ خصَّه اللَّـه تعالىٰ بالرُّوح فقد فوَّض إِليه أَمره يخلق بإذنه ، ويحيي بإذنه ، ويعلم الغير ما في الضمائر ، ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ؛ وذلك أَنَّ هذا الرُّوح من أَمر اللَّـه تعالىٰ ، فَمَنْ خصَّه اللَّـه تعالىٰ بهذا الرُّوح فهذا كامل غير ناقص ، يفعل ما يشاء بإِذن اللَّـه ، يسير من المشرق إِلى المغرب في لحظة واحدة ، يعرج به إِلى السَّمآء وينزل به إِلى الأَرض ويفعل ما شاء وأَراد. قلتُ : يا سَيِّدي ، أَوجدني بيان هذا الرُّوح من كتاب اللَّـه تعالىٰ ، وإِنَّه من أَمر خصَّه اللَّـه تعالىٰ بمُحمَّدٍ ’ ، قال : نعم ، اقرأ هذه الآية : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا](6)، وقوله تعالىٰ : [أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ](7)...»(8). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق × : «... فينا روح رسول اللَّـه ’»(9). ودلالة الجميع واضحة ولا غبار عليها ؛ وأَنَّ أَحد الحقائق والفصول والأَركان والأُسس المأخوذة في ماهيَّة وحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة : (روح القدس) ، أَي : الرُّوح الأَمري ، وهو : حقيقة القرآن ومرتبته الصَّاعدة. وهذا ما يشير إِليه بيان الإِمام موسى بن جعفر ‘ بقوله : «... وإِنَّ اللَّـه يقول في كتابه : [وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى](10)، وقد ورثنا نحن هذا القرآن الَّذي فيه ما تُسيَّر به الجبال ، وتُقَطَّع به البلدان ، وتُحيىٰ به الموتىٰ ...»(11). ومعناه : أَنَّ ارتباط الإِمام × الرُّوحي والغيبي بالسَّاحة الإِلٰهيَّة حبل غيبيٌّ إِبداعيٌّ تكوينيٌّ ؛ ممدود بين أَعماق الغيب إلى بدنه الشريف. وإِلى هذا أَشار بيان حديث الثقلين( )، الوارد عن سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّه يطلق البعض خطأً واشتباهاً عنوان : (روح القدس) على جبرئيل × ، لكنَّ الثابت في بيانات الوحي المعرفيَّة : أَنَّه عنوان يُطلق على حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والَّتي يُطلق عليها أَيضاً عنوان : (الروح الأَمري). نعم ، جبرئيل × يُطلق عليه في بيانات الوحي عنوان : (الروح الأَمين). ثُمَّ إِنَّ الثابت في بيانات الوحي المعرفيَّة ، منها : بيان قوله جلَّ قوله : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى : 52] ، أَنَّ روح القدس شريحة وشعاع يسير من أَرواح سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وجبرئيل × وإِنْ كان ملكاً عظيماً وقد وصفه الباري تقدَّس اسمه في كتابه الكريم بأَوصاف عظيمة، كما ورد في بيان قوله تعالىٰ : [إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير : 19 ـ 21] ، لكنَّه إِذ قيس إِلى (روح القدس) ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ فهو ـ جبرئيل × ـ قطرة في بحره ـ روح القدس ـ . وهو ـ روح القدس ـ ليس إِلَّا قطرة في بحور حقيقة سيِّد الأَنبياء وسائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الزخَّارة الطمطامة المُتلاطمة. وقد مرَّ وسيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) مزيد بيان وأَدلَّة على جميع ذلك. وهذه النتف والحقائق المعرفيَّة لو لم يُبيِّنها أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم فَمَنْ الَّذي يشمُّها وترد على خاطره. (2) غافر : 15. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (4) الكهف : 109. (5) لقمان : 27. (6) الشورى : 52. (7) المجادلة : 22. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 8 ـ 17/ح2. (9) المصدر نفسه ، 25 : 62 ـ 63/ح41. بصائر الدرجات : 136. (10) الرعد : 31. (11) بحار الأَنوار ، 14 : 112 ـ 113/ح4. أُصول الكافي ، 1: 226.